يبهدلون قميص الخضرا في بانغي

مباراة الجزائر وإفريقيا الوسطى ستبقى في التاريخ محفورة في الحجر والشجر كما حفر الأوائل آثارهم في حظيرة الطاسيلي والأهقار, خاصة تاريخ هذا البلد الفقير الذي يحمل سجلا متواضعا في رواق كرة القدم  وسيدخل  لاعبوه حتما مرحلة جديدة من الشهرة والنشوة وحتما سيصبحون نجوما في عيون أجيالهم على مر السنين, وبنفس الطريقة التي لا زال يتغنى بها الجزائريون بفوزهم على ألمانيا في مونديال 1982 سيتغنى أفارقة وسط  إفريقيا بفوزهم على الجزائر وربما كان العاشر من أكتوبر عيدا وطنيا مدفوع الأجر.  
إفريقيا الوسطى البلد الفقير الذي لا يملك فنادقا ولا مكانا أين يأكل الضيوف, إفريقيا الوسطى التي لا يملك لاعبوها ألبسة رياضية وان كانت فهي من النوع الرديء, ولا يملكون حتى واقي الأرجل ويضطرون الى تبادل البذلات والواقيات كل مقابلة, إفريقيا الوسطى التي غالبا ما كانت تنسحب من تصفيات كأس أمم إفريقيا بسبب تواضع الإمكانيات المادية ولم تلعب أي مقابلة منذ أمد بعيد, إفريقيا الوسطى صاحبة المرتبة 172 عالميا في سلم ترتيب الفيفا, والمرتبة 47 إفريقيا, يتغلب على فريق الفنادق الفخمة والموائد المتخمة بشتى أنواع الأطعمة المحسوبة حريراتها من طرف الأطباء والمختصين, يتغلب على فريق ألبســـــــــة ” بيما ” الفاخرة والناعمة, يتغلب على فريق لعب التصفيات المؤهلة الى كأس إفريقيا وكأس العالم, ولعب بأنغولا الكأس الإفريقية, ولعب بجنوب إفريقيا في أكبر منافسة عالمية للعبة, ولعب العديد من المباريات الودية,  يتغلب على فريق يتربع على المرتبة 35 عالميا والتاسعة إفريقيا, انه فعلا انجاز تاريخي لأشبال إفريقيا الوسطى يستحقون عليه التحية بكل روح رياضية.
من منا لم يتابع اللقاء حتى النهاية؟, ومن منا لم يتحسر ولم يطرح عشرات الأسئلة بينه وبين نفسه ومع أصدقائه لعله يجد تفسيرا واحدا لما حصل؟؟, هناك من قال أن اللاعبون رفضوا اللعب ولم يلعبوا من أجل الفوز, وهناك من ذهب به الخيال وقال أن اللاعبين لعبوا على رأس بن شيخة ومن الصحافة من كتبت بالبند العريض أن طريقته العسكرية في تسيير المنتخب لم تعجب الجميع, وشخصيا حاولت أن أستنتج على أوتار الخيال قصة أخرى ربما تشفي غليل التساؤل في نفسي عن أسباب الانهيار, وقلت أن اللاعبين ربما أهدوا الخسارة الى سعدان بعد أن شتمه الجمهور وسبه في البليدة, وبعد أن أضطر الى تقديم الاستقالة حينها مستسلما للضغط الرهيب الذي تعرض له بعد الخسارة أمام تنزانيا, ربما جعل الجميع يتحسر على رحيل سعدان ويصف تعثراته بالمقبولة بعد الذي رآه في بانغي. لكني لم أصدق ما استنتجته وما استنتجه خيال البقية لأن ذلك لو كان فعلا حقيقة فنحن نملك عصابة وليس فريقا وطنيا, ولا أعتقد أن الفريق بعد مشواره الطيب, وبلاعبيه المحترفين يفكر بهذه الطريقة, فلتعثر الخضر أسباب منطقية, ولنكن صريحين من خلال النظر الى الأمور على حقيقتها, فبعد مراطون التصفيات, وكاس إفريقيا وكأس العالم دخل اللاعبون مباشرة في سباق جديد مع الإرهاق, ومع الإصابات, ومع رحلة البحث عن فريق جديد, وفي نفس الوقت الدخول مباشرة الى تصفيات كأس إفريقيا 2012, قد يقول قائل أن فرقا أخرى افريقية مثل كوت ديفوار والتي سارت في نفس درب الخضر لم تشتك مثلنا وهاهي الآن تحقق نتائج ايجابية في تصفيات كاس إفريقيا, ولكن أعتقد أن الوضع يختلف فالفيلة أكثر استقرارا مع أنديتهم عكس المحاربين, فاللاستقرار الذي شهده اللاعبون أحد أسباب الإخفاق وهو السبب الذي يصر على ذكره كل مرة سعدان وروراوة وهو ما سأتفق معهما فيه, غير أن لي رأي آخر في مواضيع أخرى, فبعد استقالة سعدان وتعيين بن شيخة لم نشهد حفل تسليم المهام بين المدربين وهو تقليد نتمنى لو يترسخ في معاملات الخضر, فسعدان رحل ومعه أدق التفاصيل عن التشكيلة وكان حريا به أن يلتقي بن شيخة ويقدم له شرحا وافيا عن المنتخب باعتبار أنه درب الخضر مدة طويلة من الزمن,  وهو ما أوقع بن شيخة في الخطأ عندما جرب خطة جديدة, ووظف بعض اللاعبين في غير مناصبهم, فمثلا في الرواق الأيسر عندما يلعب مصباح مع بلحاج كنا نرى مصباح في الخلف وبلحاج في الأمام, ومع بن شيخة رأينا العكس وبعد المقابلة سمعنا تصريحا لسعدان يقول أن بلحاج ضعيف في الدفاع ولكن حبذا لو قيل هذا الكلام لبن شيخة قبل المقابلة, زيادة على ذلك قرأنا لبعض المحللين أن كلا من غزال وعبدون ومجاني وعنتر يحيى لم يلعبوا في مناصبهم المعتادة, وأن الخطة التي اعتمدها بن شيخة لم يعتد عليها اللاعبون ولم تمكن الخضر من الفوز. في رأيي كان على بن شيخة في أول خرجة له أن يحافظ على طريقة لعب الخضر وكذالك مناصب اللاعبين مع بعض التغييرات الطفيفة التي من شأنها أن تحرك هجوم الخضر كإشراك جابو أو حاج عيسى,  وانتظار المقابلات الودية لتجريب ما شاء من الخطط,  الخطة والتوظيف الخاطئ للاعبين كانت سببا آخر في الإخفاق. بعد المقابلة سمعنا أغنية الرطوبة والحرارة لتبرير الهزيمة, صحيح قد تكون أحد أكبر الأسباب مع ظروف الإقامة هناك ولكن ليس لنا عذر لأننا لم نحضر لهذه الظروف في المكان الصحيح وبالطريقة الصحيحة, فهل يعقل أن نحضر للرطوبة وكل الظروف الصعبة الموجودة في إفريقيا الوسطى في فخامة بني مسوس, ففي التصفيات المؤهلة لكأس العالم حضرنا لكل المباريات تقريبا في الخارج حتى مباراة زامبيا الصعبة حضرنا لها في جنوب إفريقيا ولا أعتقد أن المنتخب الوطني كان سيفوز بنقاط المباراة وقتها إن حضر في بني مسوس, فالمشكلة ليست في المكان فحسب بل في المدة أيضا فنصف تربصات الخضر داخل الوطن تستهلك في التوقيعات للمعجبين وأخذ الصور التذكارية, ويغيب عنها التركيز. التحضير الضعيف في المكان الغير مناسب سبب آخر من أسباب الإخفاق.
قلنا في مقال سابق أن الخضر اختاروا أصعب الطرق بعد إخفاق تنزانيا وها هم يصرون على عبور المسالك الصعبة في التصفيات, الجميع قال بأنه لا زلت هناك 12 نقطة, ولكن كم سنقطف منها فيما تبقى من مقابلات؟؟؟ ما أراه أن روراوة في وضعية حرجة باعتباره المسؤول الأول عن اللعبة, وتعثر آخر أمام المغرب سيلقى فيه نفس مصير سعدان من الجماهير وهو ما لا نتمناه, على الجميع الجلوس بهدوء ودراسة الوضعية وإيجاد الحلول في أقرب وقت, وأقترح أن يتم تعيين رابح سعدان كمدير فني للفرق الوطنية في أقرب وقت وهو ما سيسمح من الاستفادة من تجربته مع الفريق الوطني, وعلى بن شيخة أن يجد مساعدا له في أقرب وقت أيضا, على أن يكون ذو خبرة وكفاءة, وليتضامن الجميع من أجل سمعة المنتخب والبلد. ولا زالت لنا فرصة لنرد على هزيمة بانغي ولن نرض إلا بالفوز وبنتيجة عريضة.