بين شبهة الدولة وصهيونية الرأي العام الدولي

غريب ما يحدث في العالم العربي هذا العام, يبدو كثيرون في رحلة بحث طويلة عن ” الدولة “, تونس ومصر طردتا بن علي ومبارك ولا زالتا الى حد الساعة تبحث عن معالم الدولة الجديدة, ليبيا ومجلسها الانتقالي الذي لا زال الى حد كتابة هذه الكلمات يقود معارك ضارية على مشارف بني وليد وسرت, ليتخلص من آثار دولة القذافي وأبنائه, ويرسخ حسب قناعته دولة جديدة, اليمنيون وعلى خطاهم السوريون هاهم حتى اللحظة لا يملون من التظاهر والاحتجاج والاعتكاف في الساحات الكبرى, ويزيدهم طاقة وقوة الدماء التي تسيل كل يوم, في سبيل التخلص من جذور الدولة التي مكثت على صدورهم كشجرة الزقوم لسنين طويلة, إنهم يتظاهرون ولا يملون من التظاهر ويموتون من أجل الدولة الجديدة التي يتوسمون فيها الحرية خاصة, فلسطين لم تغب عن كل هذه الأحداث فبعد أن انتفض الفلسطينيون في الشارع رافضين الانقسام, وبعد أن نجحوا في لم الشمل هاهم الآن يبحثون في أروقة الأمم المتحدة عن ورقة اعتماد الدولة الفلسطينية, دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية, ولكن هل هذا المطلب شرعي بالنسبة للفلسطينيين وكل العرب والمسلمين؟ أليست فلسطين هي كل التراب الفلسطيني الذي تعيش عليه ” الدولة الفلسطينية المقبلة” والذي تعيش عليه إسرائيل؟ فلسطين هي كل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشرقية والغربية معا, كيف نطالب بدولة فلسطينية والجزء الأكبر منها يعيش فيه خنازير اليهود؟ حسب رأيي المطالبة باعتماد الدولة الفلسطينية على ما تبقى من فتات الأرض هو اعتراف ضمني وكامل بالدولة اليهودية, وهو تنازل بل وهبة من الفلسطينيين لأراضيهم لليهود, كان يجب أن يتواصل النضال حتى تحرير فلسطين كل فلسطين, ما أره في المشهد أن الفلسطينيين ضاقوا ذرعا بالصواريخ والغارات الإسرائيلية, ويبحثون عن الاستقرار الذي يمكنهم من أكل العيش في هدوء حتى ولو كان الثمن التراب الفلسطيني, والسؤال الثقيل الذي يفرض نفسه أين هي المقاومة, هل سئمت الفصائل الفلسطينية والكتائب من القتال أيضا؟

ولكن انظروا حتى العالم غير راض عن هذه المنحة الفلسطينية, إسرائيل طبعا ترفض مسعى مازن وتريد أن تنتهز كل الفرصة حتى يجلس معها الفلسطينيون في جولات أخرى من المفاوضات والتي كانت على مدى عشرين سنة ماضية جولات لربح الوقت من أجل بناء مستوطنات أكثر وتضييق أوسع على الفلسطينيين, طبعا إسرائيل لا تريد أن يتم الاعتراف بالدولة الفتية دون أن تجني الكثير من المكتسبات الجديدة من خلال المفاوضات التي يسمونها مفاوضات سلام, أوباما الرئيس الأمريكي يرفض سياسة الطريق المختصرة كما سماها في حل الخلاف الفلسطيني الإسرائيلي, ويرفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية, في لعبة جديدة يلعبها مع الطرف الإسرائيلي الأمر شبيه بذلك المواطن البسيط الذي يقصد إدارة كالإدارة الجزائرية من اجل سحب وثيقة ما, الوثيقة جاهزة, لكن الإداري يؤجل تسليمها له ويقول له في كل مرة لا يمكن أن تكون جاهزة اليوم عد غدا عد بعد غد فالمسئول لم يوقعها بعد, ويحاول أن يقنعه بأنه يبذل مجهودا كبيرا حتى تكون جاهزة في أقرب وقت, ويذيقه الأمرين حتى يأخذها وربما اقتلع من جيبه بعض الأوراق قبل أن يعطيها له, ويتحدث المواطن بعدها لأصدقائه وأهله بأنه حصل على وثيقته بعد جهد جهيد والحقيقة أن الوثيقة عادية وكانت في الأصل جاهزة.

أعتقد أن الجميع فرحون بخطوة الفلسطينيين, يهود وأمريكان, لأنها اعتراف بالدولة اليهودية, وترسيم لملكية إسرائيل لأغلبية الأراضي الفلسطينية, لكنها السياسة اليهودية الأمريكية أعطيك القليل من حقك الذي تلهث وراءه, مقابل المزيد من المكاسب والشروط, أهمها كما قلنا إحياء المفاوضات وجر العرب الى إقامة علاقات طيبة مع الإسرائيليين, طبعا إن تم الاعتراف أمميا بالدولة الفلسطينية الفتية, سيجر بعدها اعترافا عربيا وإسلاميا وهو اعتراف غير مباشر بالدولة العبرية الخنزيرية.

الدولة الفلسطينية الجديدة ومقعدها في الأمم المتحدة لا يعني شيئا في ميزان الرأي العام العالمي الصهيوني, ولن تتوقف إسرائيل من عدوانها على الشعب الفلسطيني, ولا مناص إلا بالنضال والتمسك بكل التراب الفلسطيني وكل القدس ومواصلة المقاومة الى آخر رمق.