واستجاب للقدر, وهاهو ذا الليل ينجلي وهاو ذا القيد ينكسر

من منا لم يسمع عن ديكتاتورية بن علي في تونس, تعذيب وقهر وتضييق على الحريات, ونهب للممتلكات وتجويع للشعب المسكين, كنا نسمع قصصا عن قهر المحجبات ومنع لبس الحجاب في الأماكن العامة وفي العمل, ونسمع عن الخطر الذي يمكن أن يحدق بكل من يلتزم بصلواته في المسجد, وكنا أيضا نحاول أن نقارن بين ما في الجزائر من حريات وان لم تكتمل, وبين ما في تونس من اختناق, وكنت دائم التساؤل ألا يتحرك هذا الشعب لينفض عن نفسه هذه العبودية؟؟, كيف يمكن لشعب أن يرضى في صمت بتدخل ساخر وديكتاتوري في لباسه و لباس زوجته و أمه و أخته؟؟, وكيف يمكن أن يرضى بتدخل علماني ديكتاتوري فاشي بينه وبين عبادته فيمنعه عن دور العبادة ويمنعه من أن يعبر عن التزامه؟؟ ولطول سنين القهر كدنا نيأس من أن تتغير الأمور, لكن كان علينا الصبر لأن التاريخ ومنذ أن خلق الله الإنسان, أخبر بزوال الطغاة, وأي زوال, زوال ذل ومهانة, وخزي وندامة للظالمين, وعز وشرف للمظلومين والمقهورين.

وسبحان مسبب الأسباب, وناصر المظلوم وقاهر الظالم, بن علي الذي أحكم مراقبته على المؤمنين ودس لهم العيون في الطرقات والمدارس, وأماكن العمل, وفي الانترنت وفي الماء وفي الهواء, وفي أجهزتهم التنفسية والهضمية, بن علي الذي أحكم مراقبته على المتدينين القادمين من الجزائر ومن بلدان أخرى حتى لا يصاب شعبه بعدوى التدين, بن علي الذي حارب الصلاة والآذان ومنعه من أن يذاع في القنوات التونسية, بن علي الذي قهر المرأة ومنع عنها خمارها ونقابها واحتشامها يخرج مذلولا مهانا من تونس في زي امرأة منقبة, الله أكبر الله أكبر الله أكبر, أصنام مكة حطمها المؤمنون بالعصي والحجارة وهاهم التونسيون يحطمون هبل الدكتاتورية بالعصي والحجارة والنار أيضا ويرمون به خارج تونس ذليلا مهانا, وربما هي مشيئة الله أن ينجيه ببدنه حتى يكون للناس آية, وحتى يذوق ما بقي له من عمر, طعم الذل والندم والحيرة, نجاه كما نجى من قبل فرعون لكن عمى القلوب لا يجعل أمثال بن علي يتعضون بآيات الله حتى تأتيهم على حين غفلة.

لقد كانت شرارة النار التي أضرمها البوعزيزي في جسده الذي أتعبته وأنهكته ملاحقة البوليس التونسي أينما حط بطاولته المتنقلة, والمنهك بأعباء العائلة والواقع الاجتماعي المر, كانت كافية لأن تشعل بنزين الغضب ومازوت الكبت الذي سقى وجدان وعروق الشعب التونسي لمدة ثلاثة وعشرين سنة كاملة, بدأ لهب الغضب الشعبي في شوارع سيدي بوزيد, ليأتي على باقي ولايات تونس, بما فيها العاصمة وكانت الفرصة مواتية لهم لكي يطيحوا بالصنم الديكتاتوري, ودخل المحتجون في حركة اعتصام وعصيان مدني حتى يسقط النظام, مرددين شعار “الاعتصام الاعتصام حتى يسقط النظام”, “خبز وماء وبن علي لا”, وحاول بن علي يائسا في خطابات عرجاء أن يهدأ من روع الشارع التونسي بتخفيض أسعار المواد الأولية, لاعتقاده أن البطن هي التي أحرقت الشوارع, لكن القلب والعقل التونسي آمن مع أيام الاحتجاجات بالله وبقدرته على الإطاحة بالنظام الفاشي وزادت معها ثقته في النجاح. التونسيون تظاهروا بالقلب والعقل, أما البطن هي التي جعلت بن علي وحاشيته يهربون كالذئاب حفاظا على حياتهم من طوفان الاحتجاجات, وكان حريا بالجنرال أن يتحلى ببعض أخلاق العسكر ويواجه الأحداث بشجاعة, كان قادرا على الاستقالة وبعث عهد جديد مع الحرية والتعددية, لقد كانت الفرصة بين يديه حتى يبقى في تونس ويعيش مع شعبه, ولأن الحقرة من شيم أنصاف الرجال ولأن الجبن خلقهم, أمر بفتح النار على الأبرياء, وهرب مع عائلته وأمواله, وترك تونس وشعبها لزبانيته, ميليشياته الذين لا زالوا لحد كتابة هذه الأسطر يعيثون فيها فسادا وقتلا, ولا زالت بقاياه تحاول أن تجد لنفسها مكانا في الحكومة الجديدة, لكن الشعب التونسي سيوفقه الله لاقتلاع جذور الحزب الحاكم من أصوله ولن يرض إلا بحرية جديدة وبألوان غير ألوان النظام السابق.

شين الهاربين, وشين السارقين, أفضل لك من زين الهاربين وزين السارقين, لقد فاحت السعودية وطرقاتها برائحتك الكريهة, وهاهي طرقات تونس تفوح بدم الشهداء, وبرائحة الياسمين, وبنسيم الحرية, ونسأل الله أن يبقيك حيا لتسمع أذناك آذان بلال وهو يذاع في كل ربوع تونس, وترى نهار التونسيين الجديد بعد أن انجلى ليلك, وتراهم ينعمون بالحرية بعد أن انكسر قيدك, وتموت أخيرا بغيظك.