وينادي يا شعب مصر Dégage

عندما تنتفض الشعوب العربية على نظام حكم ما فمعناه أنها قد ضاقت ذرعا بممارساته وشبعت وارتوت من دكتاتوريته وهمجيته وإهماله, وعندما تنتفض الشعوب وتصر على انتفاضتها فمعناه  أنها تريد التغيير وتتوق الى هواء جديد يملأ عليها حياتها بنسمات الحرية, ويضخ في عروقها دما صافيا لتعيش من جديد ما تبقى لها من حياة في كنف الأمن والاستقرار وفي كنف قيمها العربية والإسلامية, ولأن الأنظمة الفاسدة المدمنة على النهب وجمع الثروات على حساب شعوبها, والمدمنة على بيع المبادئ وقيم مجتمعاتها, والمدمنة على قهر المغبون وإسكات الأصوات المطالبة بالحقوق, والمدمنة على نفي الرجال الأحرار خارج أسوارها , فإنها لا تتقبل الانتفاضة بسهولة لأنها ستقطع عنها ثدي البقرة الحلوب, وتفضح ممارستها الدكتاتورية, وتكشف عنها كل المستور وقد تعصف بما جمعت من ثروة في لحظات, فتلجأ مضطرة الى أساليب الترهيب والغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي والحي, فهي لا تقبل من هذا الشعب الذي كانت تُحكم قبضتها عليه أن يتجرأ عليها بالاحتجاج, إلا أن الدم الذي يسيل من الشعب الذي يسير لا يزيده إلا ثباتا وشجاعة وقوة واستمرارية من أجل التخلص والى الأبد من النظم الفاسدة, وهو ما فعله بن علي قبل أن يخضع الى الأمر الواقع حيث جرب طرقه الاستبدادية ولاقى الدعم في البداية من دول عربية وغربية من اجل أن يطيح بشعبه, وهو ما يفعله الآن وبقسوة النظام المصري بقيادة الفرعون مبارك, الذي يبدو للناظر أنه يحتج أيضا على مظاهرات شعبه ويبدي في وقاحة متناهية النظير رفضه مطلب التنحي عن السلطة, وكأن الشعب في جهة يطالب برحيله وينادي” الشعب يريد إسقاط النظام “, وهو في الجهة الأخرى بإصراره وتمسكه العجيب بالكرسي يطالب برحيل الشعب وينادي هو أيضا بدوره ومن صومعته “النظام يريد إسقاط الشعب”, وهو فعلا يريد ذلك من خلال استعماله للعنف والقتل والترهيب وتوظيف البلطجية من أجل الاعتداء على المتظاهرين, فالولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الأوروبي يدعمانه, وإسرائيل لا ترغب بتاتا في تضييع حليف استراتيجي لطالما ساند سياستها القمعية ضد الفلسطينيين وضد المقاومة, الشعب المصري يستلهم من الصبر والإرادة من اجل الإطاحة بالفرعون مبارك وقد استعمل أجمل الشعارات في تعبئة المتظاهرين وتجديد النفس كل يوم حتى لا يمل المتظاهرون ويواصلون في ثبات نصرة مطالبهم التي استشهد من اجلها العشرات, فمن جمعة الغضب, الى جمعة الرحيل الى أسبوع الصمود, وحتما سيتنفس الشعب المصري الصعداء قريبا في جمعة النصر, الرئيس مبارك يستلهم ثباته المؤقت على عرشه من سياسة اللعب في الأوقات الضائعة باجترار بعض الخطابات الاستهلاكية المسكنة من وقت لآخر, ويستلهم من الطمع في ملل الجماهير من الاحتجاج وعودتها الى ديارها, والمضحك أن مبارك في كل مرة يظهر على التلفزيون يلقي خطابات حول تعديلات دستورية, وتعيين لجان وتغييرات وزارية في حين بحت الحناجر وهي تصرخ كل يوم تطالبه بالرحيل, وأغرب ما أقدم عليه الرئيس أيام قليلة من بداية الاحتجاج تعيينه لنائب له وهو عمر سليمان صاحب سيرة ذاتية ملغمة بالتعاملات الدنيئة مع العدو الصهيوني, ومباشرة بعد تعيينه ظهرت جماعات البلطجية التي قامت بالاعتداء على المتظاهرين, وظهرت جماعات تدعي مساندتها لمبارك وهي لعبة قذرة تفوح منها لمسات المخابرات المصرية بقيادة عمر سليمان, الذي استعمل أيضا لغة الترهيب من خلال استعمال الشرطة للرصاص الحي وقد أذهلني مشهد الجثث والدماء التي كست جدران المستشفيات, وهي مشاهد لم نكن نراها إلا في الاعتداءات الإسرائيلية على إخواننا في غزة, فهل يعقل أن يستخدم نظام دولة كل هذه الوسائل ضد شعبه, لقد كان فعلا اختبارا عميقا لمبارك وحاشيته فاضت من خلاله مشاعره الحقيقة التي كان يكنها لشعبه, وفضحت تمسكه بكرسيه وجيبه, الشعب المصري مطالب بتطوير أساليب احتجاجه فالطريقة الحضارية والسلمية التي يتبعها من أجل الحفاظ على مصر رائعة ولكن عليه أن يخطو خطوة نحو القصر الرئاسي أو المكان الذي يوجد فيه مبارك من أجل تركيز حجم الضغط واختصار الوقت.

لنا مثل شعبي في الجزائر يقول – أللي بغاها ڤاع خلاها ڤاع- ومبارك عمل جاهدا على توريث الحكم لابنه غير أنه ضيع كل شيء فلا هو ولا ابنه ولا عائلته, ولنا مثال آخر يقول – حتى شدة ما دوم- وستفرج إن شاء الله تعالى, فمبارك يحاول عبثا مصارعة الملايين المطالبين برحيله فيا مبارك الشعب يريد إسقاط النظام, فمن فضلك Dégage .