من يحمي الطفل في الجزائر؟

مهدي..اغتيال البراءة

أدرجت أغلب القنوات الفضائية الجزائرية في أخبارها بحر هذا الأسبوع خير تأجيل محكمة حسين داي لقضية خطيرة فعلا, بطلها عصابة خطيرة متكونة من ستة فرنسيين وجزائريين من بينهم طبيب وموثقين وعناصر أخرى, مهمة هذه العصابة الخطيرة تحويل الأطفال الى فرنسا, إما للاستغلال الجنسي أو من أجل استئصال أعضائهم وبيعها هناك. تزامن هذا الخبر مع مقتل الطفل مهدي جلمامي في ولاية غرداية من قبل مجهول اختطفه وهو مغادر لمدرسة قرآنية ثم اختلى به في مكان بعيد عن الأنظار قتله ورمى بجثته في وادي ميزاب.

الفقرة السابقة مع أنها بضع سطور, الا أنها تحمل كما لا يحصى من الكوارث الأخلاقية التي يعيشها مجتمعنا اليوم, بسبب السياسة التي تنتهجها دولتنا بتخليها عن الجانب التربوي والأخلاقي من أجل حسابات سياسية ضيقة, فإنتاج المجتمع لشباب طائش ومتدني أخلاقيا وتربويا, ومدمن, أفضل في منطق هذه المنظومة من إنتاج شباب متخلق ومتدين قد يكون سببا في موجة صحوة وتطرف. كوارث أيضا هي نتاج محاولة تطبيق بعض أدبيات حقوق الإنسان المستلهمة من الأفكار العلمانية والإلحادية, والتي تريد أن يكون للإنسان حرية في الهتك والنهب والحرق والاغتصاب والترويع, بحيث يضمن للمجرم في المقابل المعاملة الحسنة, والسجن بمقاس الفندقة, وربما نسير من خلال التقليد الى الهاوية, فمجتمعات ميعتها حقوق الإنسان أصبحت الآن تشرع لزواج الشواذ والسحاق, تريد أن تفرض منطقها علينا وعلى الدول النامية, على أنه شريعة الإنسان المتحضر.

قرأت الخبرين أعلاه وتأملتهما جيدا, فاحترت الى طبيب مختص تلقى ما يكفي من العلوم وانفتح مخه على حقائق من المفروض أن تجعله قريبا من الله ومن شريعته, غير أن غياب الأخلاق جعلت من هذا العلم سلاح جريمة من أجل تحقيق أرباح طائلة في وقت قياسي ومن دون رحمة يعتدي على حرمة الطفولة دون أن يؤنبه ضميره, وقد يصل به الحد الى استئصال أعضاء طفل بيديه من أجل عرضها في سوق الأعضاء. نفس الشيء نقوله عن هذا الموثق الذي مر على حزم من القوانين ومن المسابقات من أجل أن يكون موثقا, والكل يعلم أن مهنة هامة ومربحة لكن غياب الوازع الأخلاقي يجعل الإنسان في لهث وجري وراء المادة بأي وسيلة وبأي طريقة من أجل تحقيق الربح المادي السريع. الفرنسيون الست المشاركون مع العصابة, لما لا يختطفون أطفالا فرنسيين, ولأنهم ربما ينظرون إلينا الى أننا بشر من طينة أقل قدرا من طينتهم يرخصون دم أطفالنا ويبيعونها في سوق نخاستهم مقابل يوروهات معدودة, ولما لا يفعلون وقد وجدوا في كبار ومتعلمي المجتمع جسرا لتحقيق ذلك. نقطة هامة وجب التنويه إليها هنا هي أن العصابة وجدت في الفراغ القانوني الملاذ من أجل تحقيق مآربها, وهو ما يجعل القائمين على التسريع في هذا البلد الى التفكير في تحديث المنظومة القانونية بما يكفل الحماية الكافية لحماية الطفل الجزائري.

بالنسبة لمقتل الطفل مهدي في منطقة معروفة بنظامها وتدينها, يجعلنا نقول أن الجريمة كامنة في كل نفس أمارة, ومثلما الخير كامن في النفس البشرية, الشر كامن فيها كذلك, مقتل الطفل مهدي جعلني ألاحظ أمرا يؤسف حقا بالنسبة لنا كمجتمع جزائري عربي مسلم, وهذه الملاحظة تتمثل في أن كل منطقة يقتل بها طفل أو طفلة فان المنطقة فقط من تبدي تأثرها وتذمرها وسخطها من الحادث دون باقي مناطق الوطن, وهو ما يجعلني أتأسف على أن مجتمعنا لم يعد ذلك الجسد الواحد الذي يتألم لألم في أي منطقة من مناطقه, زد عليه النوم والسبات العميق لمنظمات حقوق الإنسان, وجمعيات حماية الطفل, وكل مجتمعنا المدني وأحزابنا السياسية, التي ترى في مثل هذه الأحداث مجرد أحداث وجرائم وجب معالجتها قضائيا, لكن المشكل الأخلاقي والجريمة تزداد في مجتمعنا من وقت لآخر, ونكاد نسير نحو مجتمع شبيه بمجتمع جنوب افريقيا من الناحية الأخلاقية, حيث يفرض حظر التجول من قبل المجرمين ليلا, ويمنع التنقل في المناطق القليلة الحركة, حتى أن هناك من يعيش مثل هذه الظروف, مثل الجزائر العاصمة, حيث لا يستطيع أي مواطن أن يتجول في وقت متأخر من الليل, أو يتجاوز حدود بعض المناطق والتي تعتبر محررة من قبل العصابات والمجرمين. سؤال ثقيل يطرح, الى أين نتجه أخلاقيا؟ ولا يسعني هنا الا أن أقول وباختصار أن استيرادنا للقوانين العلمانية والوضعية والتطبيق الأعمى لبعض بنود حقوق الإنسان سيؤدي بنا الى الهاوية, على حساب المصلحة العامة للمجتمع, ووجب التحرك من أجل إعادة الدور الريادي للمؤسسات التربوية, وردع الجريمة قانونيا, بما في ذلك تطبيق عقوبة الإعدام, كما على مسئولينا أن ينفضوا عنهم بعض الغبار وخيوط العنكبوت ويتقوا الله في أطفال الجزائر, وأن ينظروا الى أي طفل في الجزائر على أنه طفلهم وابنهم, وأن يبذلوا كل الجهد وأن يسخروا كل ما يملكون من إمكانيات من أجل الحد من جريمة اختطاف الأطفال والمتاجرة بأعضائهم.

مراجع

صورة الموضوع مأخوذة من الصفحة التالية 

حداد في غرداية بعد مقتل الطفل مهدي

تهريب الأطفال نحو الخارج أمام محكمة الجنايات بالعاصمة