القاتل والمتفرج سواء


من منا لم يشاهد شهداء مدرسة الفاخورة, من منا لم يتأثر لمشاهد الرعب التي بثتها الفضائيات على المباشر, أشلاء متناثرة وأجساد بدون رؤوس وقطع بشرية يحملها أعوان السلك الطبي ولا يجدون لها مكانا يضعونها فيه لكثرة ما يدخل المستشفيات من أشلاء وجثث, ومن منا لم يشاهد نفس المشاهد قبل الفاخورة وبعدها, من منا لم يشاهد كيف دمرت البيوت فوق ساكنيها وكيف هدمت المساجد والمستشفيات والمدارس والأنفاق والطرقات, من منا لم يشاهد جثث الأطفال المتفحمة, من منا لم يشاهد الجرحى وهم في آخر لحظاتهم مع الحياة, من منا لم يشاهد صور الحيوانات التي تسلم من القصف, من منا لم يشاهد ولم يعش هذا الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني, لا ماء ولا كهرباء ولا غاز, ولا دواء ولا هواء إلا رائحة الدم ودخان القنابل والموت, لقد كانت غزة استديو حقيقي

وواقعي وعلى المباشر لمسلسلات رعب هيتشكوكية وهوليودية بسيناريو أمريكي عربي ومصري بالخصوص وإخراج إسرائيلي, فكم تفنن هذا المخرج المجرم في ضبط إضاءته على كل ماهو أسود وقاتم وأحمر ودخاني, فقد كان فيلمه من بدايته الى نهايته بلون الدمار والدم, العالم كله يتفرج والموت يحصد كل دقيقة العشرات من الأطفال ومن النساء مكتفيا بتحركات سميت بالدبلوماسية في محاولة لمنح إسرائيل المزيد من الوقت الإضافي من أجل إضافة حلقة دموية أخرى الى مسلسلها الهيتشكوكي, عجبا يا أيها البشر في كل مكان مجلس الأمن يفشل في إصدار لائحة تدين إسرائيل وتوقف العدوان, وهي من اكبر عجائب العام الجديد, مجلس الأمن الذي لم يتأخر في إصدار لوائح بخصوص أفغانستان والعراق مجلس الأمن الذي أعطى الضوء الأخضر في ثواني لقوات التحالف من أجل احتلال أفغانستان والعراق, يعجز ولأيام طويلة من أجل إصدار لائحة ضد إسرائيل ولكنه مجلس الأمن, خلق لأن يصدر بسرعة كل لوائحه ضد الدول العربية والإسلامية, وخلق لكي يفشل في إصدار لوائحه لصالح الدول العربية والإسلامية, فكما فشل في إصدار لائحة فورية في حق ما أرتكب في البوسنة والهرسك من مجازر, هاهو يعجز بالطريقة نفسها في إصدار لائحة لصد العدوان الإسرائيلي عن غزة, أما شبع العالم العربي والإسلامي من مجلس الأمن, أما آن لهذا العالم المليء بالمليار والنصف مليار من البشر أن يفكر في فك الحصار عن نفسه وحل مشاكله داخل داره دون اللجوء الى مجلس أمن الذي يلعب دور اللاعب والحكم في كل القضايا الدولية.
ولكن لنكن منصفين يا جماعة, إذا كانت مصر بعلاقاتها مع إسرائيل تستقبل تهديدات بالقتل في حق الإسرائيليين من أراضيها, وتغلق في وجه الأحياء والأموات المعابر, إذا كان مبارك نفسه يصرح لليهودي ساركوزي بعضمة لسانه رغبته وأمانيه بانهزام حماس في هذه المعركة, بل وقال يجب أن لا تنتصر حماس, إذا كان مبارك قد باع بثمن بخس الدم الفلسطيني لآلة الموت الصهيونية, وإذا كان العاهل السعودي غير متردد في احتقار علماء المسلمين وتجرأ دون تردد في توبيخهم على مساندة حماس التي ليست جديرة بالثقة حسبه, أمنية أخرى من عند بما يسمى خادم الحرمين بانهزام المقاومة في غزة, وإذا كل أمراء وملوك الخليج لم يأبهوا لما يحدث مواصلين هتافاتهم بالأهداف التي تسجل في خليجي 19 غير مقدرين لكل تلك الأرواح البريئة التي زهقت هناك, وإذا كانت الدول العربية لا زالت تأوي داخل ترابها سفارة هذه الدولة العبرية المجرمة دون أن تتحرك لطردها احتجاجا على الأقل لما يحدث للشعب الفلسطيني, كيف لنا بعدها أن نلوم مللا أخرى بتحيزها للطرف الإسرائيلي.
انه بحق عالم مجرم, بتطبيق القاعدة البسيطة التي تقول أن كل من يشاهد قاتلا يقتل وهو قادر على ردعه ولا يفعل فهو قاتل مثله, فان حكومات العالم بأسرها مشاركة في هذا الجرم بل ومجرمة بأتم ما تحمله الكلمات من معاني, حتى وان كان الهدف حماس كهدف مجرد من الأبرياء فهو جرم باعتبارها حركة تحررية وكل العالم يفهم معنى هذه الكلمة, ولأن الدين الإسلامي أصبح العدو الأول لكثير من الحكومات وأصحاب البلاط كان لا بد من التخلص من حماس ولو على حساب غزة كلها, لأن نجاحها سيكرس لتجربة إسلامية ناجحة في المنطقة وهو ما يقلق أصحاب الأعمار الطويلة في الجوار ويقلق كل من في قلبه ذرة كراهية لدين الله عربيا كان أو أعجميا.
وإذا كان البشر قد شرعوا لدين الجريمة, فان الله شرع للعدل والحق وسيعلم الذين أجرموا والذين شاركوا والذين تفرجوا أي منقلب سينقلبون.