فعلتها المقاومة بإذن الله

كم كانت الدولة العبرية مغرورة بقوتها وبمرتبتها كأحسن رابع جيش في العالم, كم كانت مغرورة بترسانتها العسكرية وطيرانها ودباباتها, كم كانت مغرورة حد الثمالة وغافلة عن مرتبتها كأول جيش جبان في معركة المواجهة, وكم كانت حالمة, ولا شك أن قادة الكيان الصهيوني مدمنون على أفلام ‘الأكشين’, وربما حلموا بأداء دور البطل بدخول غزة وتدميرها على رؤوس ساكنيها, والقضاء على المقاومة واسر قدر ما استطاعوا من أعضائها وقيادتها تحت عدسات الكاميرات, وصور تحرير جنديهم شاليط, وإيصاله الى تل أبيب تحت تصفيقات المرحبين وورود المهنئين, والظهور أخيرا بمظهر البطل الذي لا يقهر. وما رميت إذ رميت يا مقاومة ويا حماس ولكن الله رمى, وشاء الله أن يكون ما أصاب أهلنا في غزة, مجرد أذى والأذى والألم عابر, وشاء الله تعالى أن يكون الإيمان باقيا وحيا في قلب كل مؤمن بالجهاد وعدالة القضية, الإيمان دحر العدو على مشارف غزة, وجعله ينسحب خائبا مهزوما, والإيمان صنع المعجزة, وقتلت المقاومة من الاسرائليين ضعف ما استشهد من مجاهديها, وأبقت على الصواريخ مستيقظة لا تصبر على راحة إلا على رؤوس الصهاينة, ولقنت العدو درسا لن ينساه في الشجاعة, وحروب المدن والمواجهة.

نعم ما عاد الفلسطينيون أولئك الناس الذين يرمون الدبابات والصهاينة بالحجارة في حين يرمونهم بالرصاص الحي والقنابل, ما عاد الفلسطينيون أولئك الناس الذين استصغر العالم إرادتهم وإمكاناتهم في دحر الإسرائيليين, لقد انتقلت المقاومة نقلة نوعية فقد كبر طفل الحجارة وكبرت همته وحمل رشاشه وصاروخه, وانتصر في أول معركة حقيقة أمام الصهاينة, وإنشاء الله تكون اللبنة الأولى لكسب الحرب وتحرير الأرض والعرض.

الدولة العبرية لم تخسر المعركة فحسب بل خسرت خسارة كبرى عندما حاصرها العالم بأسره بمسيراته وانتفاضته, ويكاد لا يخلوا قلب إنسان حر في الكرة الأرضية مهما كانت ديانته ولغته, ولون بشرته إلا وهو يكن لليهود الازدراء والاحتقار والكراهية.

الدولة العبرية خسرت المعركة السياسية, ونالت حقها من الطرد كما يطرد الكلب من الدار, وفعلها الزعيم الفنزويلي تشافيز, وفعلها معه الرئيس البوليفي, لتأتي بعدهما الدول العربية متأخرة كعادتها من فرط في ما بطنها من شحوم ولحوم تعرقل حركتها, لتجمد علاقاتها الدبلوماسية والتجارية ممثلة في موقف الدولة القطرية والموريتانية. وأيقظت الضمائر في نفوس الشعوب العربية ومسئوليها الحذر من أي تعامل مع الكيان الصهيوني, الذي خسر أيضا خسارة كبرى بتعاطف الدول العربية مع حماس والتي نالت مرة أخرى الاستحقاق العربي باعتبارها حركة تحررية, ولا شك وأنها نالت مع هذا المكسب المعنوي دعما ماديا مستقبليا وما حضور ممثلها خالد مشعل في دورة الدوحة إلا دليل على ذلك, وخسرت أيضا عندما تأكد للجميع أن عملية السلام والمفاوضات ما هي إلا عبث ولهو أطفال آن الأوان لتجاوزه.

الدولة العبرية خسرت عندما صنعت في كل بيت عربي مقاومة جديدة, في كل بيت فلسطيني قبل أن يكون البيت عربيا أو إسلاميا أو أي بيت آخر في أي بقعة من العالم, لقد تعلمت المقاومة من مجازر اليهود الكثير, ولابد وأنها تعلمت كثيرا من درس غزة, فلا سبيل إلا لتطوير أساليب التصدي والدفاع والهجوم, ولا بد من الآن التفكير في كل ما يتيح الضرب بقوة وجعل العدو يحسب ألف حساب قبل أن يطلق العنان لطائراته أو دباباته, لقد خسرت عندما قتلت الأبرياء الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى والآمنين, وخسرت عندما دمرت المساجد وهدتها فوق المصلين وهذا ظلم لن تغفره عدالة السماء, والله نسال أن يوفق المجاهدين لكسر شوكة هؤلاء المجرمين القتلة.

الدولة العبرية خسرت خسارة أخرى فقد فضح عدوانها كل عميل خائن, من الدول العربية وفي مقدمتها حسني المبارك لضرب غزة, والمبارك المبادر بغلق معبر رفح على الأحياء والأموات, ليس هذا فحسب بل وقام زبانيته من الأمن والمخابرات المصرية بالتحقيق مع الجرحى الفلسطينيين الذين اعتقدوا أنهم نجوا أخيرا من الإرهاب الإسرائيلي ليلاقوا في مصرا ما هو أقسى من الإسرائيليين فبمجرد أن تمثالوا للشفاء وجدوا أنفسهم في قاعات التحقيق وهناك من تعرض للضرب على يد الأمن المصري, وليس لنا إلا أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل في بني يهود وفي مبارك وزبانيته. كما فضحت السلطة الفلسطينية وحكومتها المزيفة, وفعلها رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية عهدته بغيابه عن قمة غزة في الدوحة, بل ووصل به الحد الى طلب قوات دولية في غزة من أجل محاصرة المقاومة, ليس هذا فحسب بل وصرحت حكومة عباس المزيفة على أن المساعدات تقوم حماس ببيعها في المحلات التجارية, وأن عددا من الجرحى الذين نقلوا الى مصر ضربوا برصاص المقاومة في محاولة خسيسة ودنيئة لتشويه صورة الفصائل المجاهدة في غزة.

ربحت وانتصرت الفئة القليلة على الفئة الكثيرة, يهودا وسلطة فلسطينية مزيفة, وعربا وأمما متحدة, بإذن الله, والحمد لله على نعمته.