مهمة لم تكن بالسهلة

معاينة فلاحية

 بقرار من وزارة الفلاحة تم اعتماد مكاتب الدراسات الفلاحية من أجل معاينة العمليات الفلاحية المنجزة من قبل المستثمرات الفلاحية المستفيدة من الدعم الفلاحي, والغريب في الأمر أنه لم يتم إبلاغنا بهذا القرار, وعلمنا به من خلال الفلاحين الذي توجهوا الى مكاتب الدراسات من اجل الحصول على المصادقة, أتذكر أن أول فلاح حضر عندي الى المكتب من أجل الحصول على المصادقة على فاتورة انجاز حوض مائي, وقال لي بأن بنك البدر هو من طلب منه ذلك, فقلت له بأنه يتعين علي معاينة الحوض قبل المصادقة على الفاتورة وتحرير تقرير المعاينة, ثم غادر المكتب وعاد بعد وقت قليل, وكان عندي بعض الفلاحين في المكتب وطلب مني أن أحدثه على انفراد, فخرجت خارج المكتب وأخبرني أن الحوض لم يتم انجازه وطلب مني أن أخذ عمولة يعني رشوة مقابل تسوية وضعيته, فرفضت, وأدركت بعدها مدى الصعوبات التي سنلاقيها في الميدان واستشرفت خطورة الأمر مما دفعني الى اتخاذ قرار معاينة العمليات المنجزة على الميدان من جهة, وأخذ بصمة الفلاح المعني وبصمة ومعلومات بطاقة التعريف لشاهدين, بدا الأمر غريبا للفلاحين لكن أصررت على إتباع هذه الطريقة لأن الأمر يتعلق بأموال الدولة وسيأتي اليوم الذي ربما تعلن فيه وزارة الفلاحة عن عملية مراقبة وسيكون الأمر صعبا على كل من احتال في عمليات الانجاز أو المعاينة. العملية حسبما كنت ألاحظ صحبها الكثير من الاحتيال من قبل الفلاح في حد ذاته الذي كان يحتال في انجاز العمليات التي استفاد منها حيث كثيرا من الفلاحين كانوا يطلبون أموالا من المؤسسات الممونة بدل العتاد, فكان المحرك يباع عدة مرات لعدة فلاحين, دون رقابة, ويقاس الأمر على كل العتاد. من بين السلبيات التي صاحبت عملية المعاينة الميدانية ليست الأخطاء التي يرتكبها الفلاح ولا محاولته الاحتيالية, بل مكاتب الدراسات التي كانت تتواطأ معهم وتقوم بتحرير تقارير المعاينة شكلية وتقوم بالمصادقة على الفاتورات مقابل مبلغ من المال, كذلك هذه المكاتب التي كانت توظف موظفي أقسام فرع الفلاحة لينوبوا عنهم في عمليات المعاينة, وهناك من كان يوظف من خارج الإدارة مما سهل عملية الاحتيال في تقارير المعاينة. البنك كان مساهما أيضا عندما كان يقبل يدفع مبلغ الفاتورة مقابل تقرير معاينة العتاد في حالة تخزين, مما سهل عملية الاحتيال, الأمر الذي جعلني أتفطن الى فكرة وضع ملاحظة في الفاتورة تقول بأنه تم معاينة العتاد في حالة تخزين, وأتذكر أن هذه الطريقة جعلتني أنجو من عملية احتيال ارتكبها أحد الفلاحين المستفيدين من عتاد إعادة تحويل مادة الزيتون حيث قمت بمعاينة العتاد في حالة تخزين ولم يقم بتركيبه ولا بتشغيله, هذا الفلاح اشترى العتاد من عند مؤسسة معينة, وعندما استقبل العتاد طلب من مؤسسة أخرى أن تنجز له فواتير خاصة بها, لا أحد كان على علم بما قام به, وحضر الى المكتب وطلب مني أن أعاين العتاد وأحرر له تقرير معاينة وأصادق له على فاتورة العتاد, انتقلت الى عين المكان وأتذكر ما بدر منه من تردد خلال الحديث وكل فترة المعاينة, ثم حررت له تقرير معاينة للعتاد وصادقت له على الفاتورة, وفعلت ذلك مع أخذ بصمته وبصمتي شاهدين, مع إدراج ملاحظة في التقرير والفاتورة بأن العتاد تم معاينته في حالة تخزين, المشكل أن البنك قام بدفع مبلغ الفاتورة, وظهرت بعد ذلك المؤسسة الأصلية صاحبة العتاد وتحول الأمر الى لجان تفتيش وتحقيق, ونجوت من الأمر بفضل ما وهبني الله من فطنة في طريقة التعامل مع الفلاحين, ولم أكن أثق في أي أحد وأدون تقاريري بناء على ما كنت أراه فوق الميدان, بعد انتهاء عمليات التحقيق أخبرني أحد الأصدقاء العاملين في قطاع الفلاحة أن طريقة معاينتك للعتاد هي التي جعلتك خارج إطار عملية التحقيق, وأصبح الأمر معقد لأن الاحتيال قد يقف أمامك بوثائق رسمية, وبشاهدين مستعدين للإدلاء بشهادة الزور. عملية احتيال أخرى في حوض للسقي بسعة 200 متر مربع, حيث حضر الى الفلاح وانتقلنا الى عين المكان حيث الحوض, وعندما وصلت وجدت هناك العديد من الأشخاص المنتظرين وفعلا تساءلت عن هذه الجمهرة, وكثر الحديث وهناك من سلم علي بحرارة غير مألوفة, المهم أني قمت بأخذ مقاسات الحوض وعندما سألت أخبروني بأن الحوض بني بالاسمنت المسلح وهو الذي يجب أن يكون عليه, ساورني الشك وقمت بجولة حول الحوض أتفحصه وإذا بي أرى جزءا صغيرا يظهر الطوب نسي البناء أن يلبسه, فقلت له بأن الحوض مبني بالطوب وليس الاسمنت المسلح, ورفضت تحرير تقرير المعاينة, غير أني فيما بعد أنه تمكن من تحرير تقرير آخر لدى مكتب دراسات لم أتعرف على اسمه. قصة أخرى أتذكر أنها كانت بيني وبين صاحب مؤسسة تموين بالعتاد الفلاحي, كان متدينا وخرجت معه من أجل معاينة شبكة سقي بالتقطير لهكتار واحد, وعندما قمت بالمعاينة وجدت أن المساحة أقل ودونت له تقريرا بالمساحة الحقيقة, غير أنه غضب وقال لي بأنه خسر أموالا من جراء هذه المعاينة, لم أعلق الا بالقول بأنها المساحة الحقيقية وهو كان حاضرا وشاهد المعاينة بنفسه, وبعد فترة من الزمن اعترف بصحة ما قمت به وشكرني. هذا لا يعني أني كنت أدق من عقارب الساعة في عملية المعاينة وأعترف أني ارتكبت بعض الأخطاء ولكن كانت قليلة وغير متعمدة.

مراجع

صورة الموضوع مأخوذة من الصفحة التالية