أهم ملفات زيارة هولاند الى الجزائر

هولاند يزور الجزائر لأول مرة, ولو كان رئيسا لدولة أخرى لكانت الزيارة عادية, ولأنها زيارة لرئيس الدولة الفرنسية حملت في طياتها الكثير من الحساسية باعتبارها دولة مستعمرة. زيارة أعادت الى الحاضر كل ذكريات وصور الماضي, فالجزائريون الذين ذاقوا الأمرين, والذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم وأبناءهم لا زالوا على قيد الحياة, ولا زالت ذاكرتهم مشبعة بهذه الصور والتي لا يمكن أبدا أن تمحوها زيارة أو عبارة اعتراف واعتذار, أو صفقة تجارية أو صناعية, فما هي الأهداف التي جاء من أجلها هولاند الى الجزائر؟, وما هي أهداف الجزائر أيضا؟ بداية أود الحديث عن الحفاوة الكبيرة التي تم بها استقبال الرئيس الفرنسي, ولكن حسب ما شاهدته من صور في الفضائيات الجزائرية, فان الحشود الجماهيرية كانت تنادي بحياة الرئيس الجزائري بوتفليقة, وتتغنى بشعارات وطنية ورياضية, وكأن الحاضرين والمستقبلين يقولون جئنا لرؤية عبد العزيز بوتفليقة أولا, طبعا رئيسنا شعر بالكثير من الفرحة والابتهاج وهو يستعرض شعبيته لضيفه, ولكنها حفاوة حملت بين طياتها بعضا من نظرية القابلية للاستعمار, فرغم معاناة الشعب الجزائري طيلة قرن وربع القرن ورغم ملفات الذاكرة الثقيلة والعالقة, الا أن السيد هولاند استقبل بحفاوة, ولا اعتقد أن السيد عبد العزيز بوتفليقة سيستقبل بالمثل, ولا أعتقد أن الفرنسيين بل وحتى الحركى سيحملون العلم الجزائري ويلوحون به لرئيسنا, وهذا هو منطق المستعمِر والمستعمَر, ونظرية المفكر الجزائري مالك بن نبي تتجلى بوضوح من خلال هذه الحفاوة الزائدة عن اللزوم.

الاعتذار المصطلح الأكثر تداولا قبل وأثناء الزيارة, فهل حقا جاء هولاند الى الجزائر من أجل الاعتذار؟, طبعا لم يحدث ذلك, لأن الاعتذار يكون باسم الدولة الفرنسية, وما صدر من هولاند من اعتراف بمعاناة الشعب الجزائري خلال الحقبة الاستعمارية, جاء حقا مخالفا لما سبقه من الرؤساء لأنه استخدم مصطلحات لم يستخدمها الرؤساء من قبله, لغة الرئيس الفرنسي كانت واضحة عندما قال ” أعترف “, واصفا الاستعمار بأنه “كان ظالما جدا”, وواصفا الجرائم التي وقعت في ماي 1945 في كل من سطيف قالمة وخراطة بالـ “مجازر”, لكنه أيضا قال أمام نواب الجزائر ” أن هذا كلامي أنا”, وفهمت من قوله أنه يريد أن يقول أن هذا رأيه الشخصي وليس برأي الدولة الفرنسية, وكيف يكون الاعتراف باسم الدولة والبرلمان الفرنسي يمجد الاستعمار ويعتبره حضارة؟, إن كانت فرنسا تريد الاعتراف حقا بجرائمها, فلا بد أن يسبق هذا الاعتراف اعترافات أخرى, كأن يعترف الحركى بخيانتهم ولوطنهم ويقدموا اعتذارهم جماعيا للجزائر, وأن يعترف قدماء المحاربين الفرنسيين والمعمرين بجرائمهم التي ارتكبوها في حق الشعب الجزائري, وأن يعتذر يهود الجزائر على خيانتهم وقد كانوا يوما جزءا من الشعب الجزائري, لقد كان اعترافا شخصيا وليس اعتراف دولة وأمة كما أراده الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في 18 ماي 2006 عندما قال ”من واجبنا اليوم تجاه الشعب الجزائري والشهداء، المطالبة باعتذار رسمي من طرف أمة كان شعارها الثوري دائما حرية، مساواة إخاء”, وهو مطلب بعيد المنال, ولا تتعامل معه السلطات الجزائرية بجدية, حتى ربما نستطيع أن نقول أن الطرف الجزائري بدأ يتنازل عن مسألة الاعتراف. إذن لا جديد على مستوى قضية الذاكرة الا مجرد اعتراف شخصي من هولاند, ووقفة رمزية أمام مقام الشهيد وتقديم الورد لشهداء الثورة ترحما على أرواحهم.

حسب رأيي أن قضية الحركى كانت من بين أهم أهداف زيارة هولاند, وربما كانت جزءا هاما من حديثه عندما أكد على ضرورة التفكير في المستقبل أكثر من التفكير في الماضي, ويبدو أنه عرج بقوة على هذا الموضوع عندما زار شارع موريس أودان الفرنسي الذي ناضل من أجل القضية الجزائرية, ودشن بالمناسبة نصبا تذكاريا له, فبقدر ما كانت هذه الخطوة اعترافا بكل من سقط من أجل القضية الجزائرية, هو دعوة أيضا من هولاند الى الطرف الجزائري من أجل تجاوز ملف الحركى, فموريس أودان في المنطق الفرنسي حركي, غير أن هولاند تجاوز خيانته لفرنسا, ووعد زوجته بمنحها ملف زوجها كاملا, في انتظار أن تعمل الجزائر بالمثل.

لا يختلف اثنان في أن تكون الزيارة بجدول أعمال مصالح, وليس غريبا أن النظام الجزائري منذ أمد بعيد يفضل في تعاملاته الاقتصادية الطرف الفرنسي أكثر, وربما من أهم الصفقات انجاز مصنع للسيارات رونو هنا بالجزائر, بمنطقة وادي تليلات, إضافة الى اتفاقات أخرى في مجال الري والبناء, والأشغال العمومية, والتجهيز, وطبعا الصفقات الجزائرية الفرنسية مختلفة وتمس كثير من المجالات الاقتصادية والتجارية.

ملف آخر ثقيل أعتقد أنه كان أهم ملف الى جانب ملف الحركى وهو ملف الأزواد وما يحدث في مالي, فالملف يشهد تكالب كثير من القوى من أجل إدخال المنطقة في حرب غير محمودة العواقب, والمهم في هذا كله محاولة إشراك الجزائر في هذه العمليات العسكرية, غير أن الطرف الجزائري لحد الآن يتعامل مع الملف بحكمة من خلال ندائه الى حل المشكل عن طريق الحوار وبالطرق السلمية, ويمكن القول أن الاتفاق الذي أمضته أهم حركتين في المنطقة, وهما أنصار الدين والحركة الوطنية لتحرير الأزواد في اليوم الموالي لانتهاء زيارة هولاند ربما يدل على حدوث محادثات جزائرية فرنسية أزوادية, أثمرت باتفاق تحالف بين الحركتين فيما بعد مع التزامهما بتصفية بقايا حركة التوحيد والجهاد الإرهابية, كل هذا يعزز من حظوظ الاستقرار في المنطقة, الذي يعتبر استقرارا لأمن الجزائر أيضا خاصة وأن الحرب لو حدثت فستكون على بعد كيلومترات قليلة من الحدود الجزائرية المالية. أعتقد أن ملف الأزواد كان أهم ملف خلال هذه الزيارة خرجت منه الجزائرية رابحة باتفاق أهم طرفين في القضية, كما ربحت الدعم الفرنسي للمقترح الجزائري الذي يريد حل الأزمة سلميا.

الموضوع في مواقع أخرى

مجلة أصوات الشمال

مراجع

صورة الموضوع مأخوذة من الصفحة التالية

مباحثات أمنية واقتصادية بزيارة هولاند للجزائر

هولاند يدشن نصبا تذكاريا تكريما لموريس أودان الذي ناضل من أجل استقلال الجزائر

«هولاند» يدعو إلى تحقيق تكامل اقتصادي بين فرنسا والجزائر

رونو كانت أهم ملف اقتصادي في زيارة هولاند للجزائر  … الاتفاقيات وقِّعت.. في انتظار التنفيذ!