بعيدة كل البعد عن أعين العدسات

أود هنا أن أكتب عن مشكل اجتماعي في الجزائر, له علاقة بأصغر خلية فيه, وهي الأسرة, أود أن أتكلم هنا عن تدخل الوالدين في الحياة الزوجية للأبناء, فالأبوان يقومان طيلة دهر من الزمن وهما يضحيان بالوقت والراحة والمال ويقتطعان من بطنهما وحقهما من أجل تربية أبنائهم ورؤيتهم سعداء في هذه الدنيا, لذا هما جديران بالطاعة بعد الله تبارك وتعالى, ولكني عندما أرى الكثير من الأحداث المأساوية التي تحدث أثناء زواج الأبناء أكاد اشك في صحة كل تلك التضحيات وتلك الأحاسيس التي صاحبتهم أثناء كل مراحل النمو, فكل إنسان يتزوج في بيت والديه ويكون فيه أبناء وبنات غير متزوجين, إلا ويذوق المسكين الويلات من الانتقادات التي لا تكاد تنتهي من الجميع, فهي يا إما غير راضية عن أداء هذا اللاعب الجديد في مستطيل المطبخ والبيت, ودائمة الشكوى من نهوضه الغير مبكر صباحا وغروبه المبكر أيضا إلى غرفته مساء, وللعروسة في هذا الوضع قائمة من الشكاوي من التدخل السافر في شأنها الداخلي من طرف أم الزوج, فهي تحس وكأن هذه الأم تريد أن تنتزعها من حضن زوجها انتزاعا, أو تريد أن تمتلكها خاتما في إصبعها تعمل كما تشير, والزوج المسكين حائر بين حرب البيانات وعدد الشكاوى التي تقدم له كل يوم من الطرفين, ولا يكاد يعرف الهناء والهدوء سبيلا إلى خواطره بسبب هذا الصراخ الذي يجثم على مخه وقلبه طول الوقت, أعرف الكثير من الأمثلة عن آباء وأمهات أجبروا أبناءهم على تطليق زوجاتهم بالرغم من تعلق الزوج بشريكة حياته, وقد يكون والدا الزوجة أيضا سببا في تفكيك الأسرة بسبب خلاف لا يعني الزوجين في شيء, أكاد امثل الوالدين قبل وبعد الزواج بالماء والكهرباء, وهذه العقلية مستمدة من التقاليد الجزائرية الآتية جذورها من أعماق الفترة الاستعمارية, فالابن ملكية في فقه الأسرة حتى بعد زواجه ولا يملك إرادة اتخاذ القرار, وما يقوله الوالدان في نظر الأبناء مقدس, والنتيجة مزامير وزغاريد نهاية الأسبوع وقضايا ومحاكم بداية الأسبوع, وأخطر من هذا عزوف الآلاف من الشباب عن الزواج بسبب هذا المشكل, فهو بخير ما دام عازبا بعيدا عن مشاكل الأسرة وضوضائها, وقراره الأخير لا زواج حتى تتوفر كل الظروف بعيدا عن المعارك الميدانية والمجالس الانتقالية, وكلها شرور يعاني من مخلفاتها المجتمع الجزائري, ويتولد عنها شتى أنواع الانحراف, وأطفال أبرياء نتاج أخطاء في معادلات بناء الأسر.

ما دفعني إلى كتابة هذا الموضوع حالة لزميل تدخلت والدته بشكل كبير في حياته, حتى أصبحت تشرف على ساعة استيقاظ ونوم زوجته وتشرف على جدول أعمالها في اليوم, حتى أنها تمنعه من أن يخرج معها إلى أي مكان, وهي من تتكلف باصطحابها إلى الطبيب أو زيارة الأقارب ونادرا ما يخرج معها إلى بيت أهلها, ومع هذا كله قائمة الشكاوي من هذه الزوجة الصابرة لا تكاد تنتهي فهي تريد أن تتلذذ وهي تراه يصرخ في وجهها أو يمنعها من أي شيء لا تريده هي, حتى جاء اليوم الذي نفذ فيه مخزون الصبر وحملت فيه الزوجة أغراضها وعادت إلى بيت أهلها هربا من هذا الجحيم, ومكثت فيه أشهرا وهي حامل دون أن ينفصلا, ولم يحدث أن خرجت مع زوجها إلى جولة أو إلى طبيب لا لشيء إلا لأن أمه لا تريد ذلك, ولأنه حكم العقل هاهو ذا يعيش المعركة بين أم وزوجة وربما استطاع أن ينجو بإعادة لم شمل أسرته في بيت مستقل. قصة أخرى سمعتها من صديقي اليوم كيف أن زوجته غادرت بيته بتواطؤ من أمها هذه المرة وأمها ترفض أن تكون له سلطة على ابنتها فهي تريدها أن تزورها وقت تشاء دون إذنه وتخرج من بيتها في الوقت الذي تشاء وبما أنها تعمل فقد عبر له أبوها صحبه هذه الوالدة البطلة عن رفضهما لفكرة أن تشاركه براتبها في أي تسيير شؤون بيته, وعندما قرر بناء طابق في دار أبيه والتخلص من تكاليف الكراء, أخطروه بأنها لن تعود معه, صورة لوالدان يضيعان بأيديهما مستقبل ابنتهما العائلي والعلاقة مهددة بالطلاق, والنتيجة أن زميلي سيتزوج من جديد, وطفلة ستكون في أغلب الأوقات بعيدة عن والدها, ووالدا الزوجة لن يعبآ لذلك فكل همهما راتبها الشهري والنتيجة غير محمودة العواقب عندما تعلم هذه البنت يوما أن والداها هما سبب إفلاسها الاجتماعي. ولمن قرأ هذين المثالين يحمل حتما في رأسه عشرات الأمثلة.

حان الوقت لتتغير هذه التقاليد وهذه المفاهيم, ولا بد لهذا المجتمع أن يبحث في ظروف استقرار الأسر الجديدة, وعلى الدولة أن تساهم أيضا في حل هذا المشكل, من خلال منح كل من يريد الإقدام على الزواج وتتوفر فيه الشروط سكنا, وان لم يتحقق هذا المطلب الذي يبدو صعب التحقيق أو ضربا من المستحيل فعلى الأسر من خلال حملات التوعية أن توفر الاستقلالية للأسر الجديدة التي تنشأ فيها, دون أن يتدخل طرف في شؤون الآخر, علينا أن نحمل الزوجين مقدارا من المسؤولية في كل هذا إن كان متفاهمين خاصة الزوج في إنصاف زوجته إن كانت مظلومة والوقوف معها ضد أي محاولة للتفريق بينهما وكذلك مطالبة الزوجة في الشد على يد زوجها والصبر معه إلى حين يأتي الفرج, المشكل أن مجتمعنا يفكر في لحظة الزواج ولا يفكر في لحظات استقرار هذا الزواج وديمومته, والكل يتعامل مع موضوع تأسيس خلية المجتمع بسطحية واستهتار, ما المانع أن يكون في مجتمعنا مثل المجتمعات الأخرى خلايا للتنمية البشرية والنفسية والاجتماعية تلتقي الزوجين قبل الزواج وتقيم مدى تقارب القناعات بينهما وتقيم كذلك ظروف الزواج وبيئته وربما نتفادى بهذا الكثير من المعارك بعد الزواج, وإن كانت هناك خلافات لا بد لمثل هذه الخلايا أن تكون, ولا بد للمسجد أن يلعب دوره في إصلاح ذات البين والتدخل لوضع حد للطرف الذي يساهم في تهديم هذه الأسرة, فالأمور أصبحت تسير بسرعة إلى دور المحاكم وسجلات البلدية لتسجيل حالة طلاق جديدة كان من الممكن تفاديها.

تكوين الأسرة ثقافة يجب أن يتعلمها الفرد ولكني أجد نفسي أهذي عندما أتفكر أن منظومتنا لا تعطي للمجتمع إطارا يحسن كتابة تقرير بلغتين مختلفتين, والدور هنا أيضا على المجتمع المدني الذي ينبغي أن يعطي أهمية لهذا الموضوع, وكم نحن بحاجة إلى حركات إصلاحية تعطي الفرد ما عجزت عن إعطائه المدرسة.