في ذكرى حرية التعبير

أعتقد أنها حرية تعبير حقيقة هذه التي نعيشها مع قصة مقتل بن لادن المحيرة, فخروج أوباما إلى منصة الندوات الصحفية ليعلن عن مقتل زعيم القاعدة دلالة على مقتل بن لادن ولا يمكن لأي رئيس دولة أن يتفضل بالتصريح في موضوع مشكوك في أمره أو تنقصه الأدلة, ولكن متى قتل؟ وكيف؟ هذا ما يجهله العالم الذي قام في حالة من العمى الهستيري في اجترار الحدث اجترار البقر للعلف, فالصور التي عرضت علينا أبانت عن صحة الشك الذي تحدث عنه الكثيرون فالصور مفبركة ولمسنا بأنفسنا وتأكدنا من زور ما شاهدناه, أين هي جثته لما لم يتركوا الفرصة للعالم لكي يشاهدها؟ لما لم يدفن على مرأى ومسمع من العالم؟, أين هي جثث من قتل معه؟, بن لادن قتل ودفن بعدها مباشرة في البحر, هل هذا أمر يصدقه عاقل؟ ولكنه مفهوم وواضح عندما يكون تحت رعاية اللمسات السحرية لهوليود الأمريكية التي تفننت في تصوير أحداث 11 سبتمبر الشهيرة, كمواطن بسيط في هذا العالم الذي تنهكه ظلمة الكواليس, طرحت عدة فرضيات لهذا الخبر, إما أنه مات منذ مدة طويلة وأجل نشر خبره إلى وقت لاحق من أجل استثماره إعلاميا وسياسيا, قد تكون هدية لحملة أوباما الانتخابية المقبلة مع العهدة الثانية, أو أنهم أمسكوا به حيا وفضلوا إعلان عن مماته ونقل إلى بلاد العم السام لعصر مخيخه قبل أن يفصلوه عن جسده, ويتمتعوا في غياب الكاميرات بمقتله؟ قالوا لنا أنه كان مشوها واختاروا رميه في البحر بسرعة احتراما لمشاعر المسلمين, وهذه عاطفة أخبث من العذر وأنتن, ففي وقت ليس ببعيد عندما أمسكوا بصدام حسين رحمه الله بهدلوا به العالم من خلال كل تلك الاهانات التي تعرض لها وهو سجين, واختيارهم لعيد الأضحى المبارك كتاريخ لشنقه كان فيها الكثير من الاحترام لمشاعر المسلمين أيضا, ونشرهم لصور الاهانات في سجن أبو غريب كلها تدل على حفاوة العواطف الأمريكية تجاه المسلمين, لذا دعونا من هذه الترهات الإعلامية من فضلكم, فالمسلمون كلهم بريئون من أفعال بن لادن, وكلهم ضد رميه في البحر, وإكرام الميت عندنا دفنه في التراب وليس رميه من أعلى في عرض البحر, أيضا رمي جثة في البحر معرضة لأن ترميها الأمواج في أي شاطئ أو قد تعلق يوما في شباك أي صياد, أو ربما تكون موضوع بحث أي فضولي يريد أن يحصل على هذه الجثة, لا أحد يعرف أين رميت وهل هذا الشيء الذي شاهدناه يسقط من المروحية هل هو جثة؟ ثم يا ناس هذه طالبان التي شهد كثير من عناصرها الحرب مع الروس, وأغلبهم عاشوا حياتهم في الحرب والقتال, يعرفون جبال أفغانستان وباكستان كما يعرفون الأسلحة التي بين أيديهم, طالبان أيضا لها عيون واستخبارات ربما أخطر مما تملك دول الجوار ومما تملك أمريكا على الأقل في المنطقة, وإذا عدنا إلى شخص بن لادن فهو زعيم طالبان وزعيم القاعدة, فتحركاته كلها محسوبة بأدق معايير القياس, فان كان قد مات فعلا هل أخطأت طالبان قراءة الحماية اللازمة لزعيمها؟ أم أن طالبان قررت أن تتخلى عنه أخيرا؟ هل هو جيب جديد في طالبان قدم بن لادن للأمريكان من أجل قيادة المجموعة؟ هل يكون الظواهري من ضاق ذرعا بنجومية بن لادن العالمية, وقرر أن يتخلص منه إلى الأبد؟ , إن كان هذا العالم يتغنى بحرية التعبير أين هو حق هذا العالم في المعلومة؟, أين هي الإجابات على كل هذه الأسئلة المحيرة؟, لما هذه الصور المفبركة عن بن لادن؟ لا أعتقد أن مقتله سيقلص من حجم الإرهاب في العالم, فالذين ينتحرون بالأحزمة الناسفة, والذين يزرعون القنابل في الشوارع والسيارات ومختلف الأمكنة, والذين يختطفون الناس في الصحارى أخطر من بن لادن بكثير, ومسألة خلافة بن لادن في جماعة كجماعة طالبان ليس بالأمر الصعب. أهم شيء في هذه القصة أن المعلومة والحقيقة لا تملكها الصحف والفضائيات والمؤسسات الإعلامية أبدا إنها فعلا المعلومة الغالية, والمعلومة التي تصنع الرأي العام ملك حصري لسلطات النفوذ والمال والاستخبارات, وأكاد أجزم أن حرية التعبير التي يتغنى بها الكثير من الصحفيين والإعلاميين مجرد حلم بعيد المنال, ولن يستطيع أحد أن يزل من يد قاعات التحرير أو يكتب بعيدا عن عين الرقيب, أو يعلن عن عدم حاجته لأجرة مالك الوسيلة.