معوقات لا تسمح للمدون بالقراءة

وبوفاته صلى الله عيه يكون نبيا الكريم قد أتم رسالته للعالم ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) الآية الكريمة. وأوصانا بأمرين ما إن تمسكنا بهما فلن نضل أبدا كتاب الله وسنة رسوله(تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي) الحديث الشريف, وفي الحياة التي عاشها مبلغا لرسالته تركة عظمى للأمة الإسلامية التي تملك بين يديها الآن ميراث 14 قرنا كاملا مليئة بالكتب والأبحاث في مختلف مجالات العلم, الدين والحياة, والأحداث والتاريخ, مليئة بالانجازات والنكسات, ماذا نعرف كمدونين من هذا كله؟, وكم كتابا قرأنا لمدوني هذه المدة؟ وكم كتابانقرأ في السنة لكتّاب القرن الجديد والكتّاب الذين نعاصرهم؟ كم كاتبا نعرف؟ وكم كتابا تحوي مكتبتنا مقارنة بما كانت تحويه مكتبات السابقين؟ الناجحون من النخبة المثقفة التي صنعت الأمجاد في تاريخ البشرية كانت نخبة تقرأ بمنهجية واستمرارية, وما كانت لتؤثر في المجتمع إلا بما اكتسبت من العلوم وما قدمت من لآلئ للمكتبة العربية والإسلامية.

الجلوس إلى الحاسوب والإبحار في الشبكة الانترنت ليس مجانيا فالمدون بحاجة إلى حاسوب ولا بد من المال لاقتناء حاسوب مقبول من الناحية المواصفات التقنية, والإبحار في عالم الانترنت ليس مجانيا أيضا فان كان المدون يملك اشتراكا فهو يدفع ليبحر, وان لم يكن كذلك فهو يرتاد بصفة مستمرة مقاهي الانترنت, هل يمكن هنا أن يقيم كل مدون كم يدفع سنويا ليسد ظمأه وجوعه من مواقع الشبكة؟ كل واحد له رقم في ذهنه, ماذا لو بذل هذا المبلغ في شراء الكتب؟ كم كتابا تستطيع أن تشتري؟ وطيلة المدة التي اشتركت فيها والتي قد تكون أكثر من ثلاث سنوات للمدونين القدامى كم كتابا قرأت من الشبكة؟ وما هو الشيء الجديد الذي استفدت منه من خلال تصفحك لمختلف المواقع؟ وهل يستحق الشيء الذي تعلمته حقا كل ذلك المبلغ؟ إن إحساس المدون بعدم وجود فائدة من الإبحار في الانترنت والكتابة في مدونته يفقده نكهة الكتابة, وأستطيع أن أقول من دون تردد أن ابتعاد المدون عن القراءة هو أحد الأسباب الرئيسة في هجره عالم التدوين أو توقفه عنه لأن ابتعاد العين عن عالم الورقة تجر اليد إلى الابتعاد عن عالم القلم, القراءة وحدها وحب الإطلاع والبحث من يعطي لعملية الإبحار في الانترنت قيمة, وتغذي العقل والمشاعر بمنبع لا ينضح من الأفكار فترى المدون يكتب باستمرار ومستواه يزداد جمالا وتطورا من مقال إلى مقال, لأن القراءة توسع مجالات التفكير والتأمل عند المدون, وتحسن الأداء اللغوي فقد نصادف تصحيحا لأخطاء لغوية غالبا ما نرتكبها عند كتابة المواضيع, أيضا القراءة المتواصلة تحسن من أسلوب الكتابة, كما تعطي شعورا مميزا بالثقة في النفس من خلال الإحاطة بكثير من الأحداث والمواضيع والأفكار. المشكلة ليست مشكلة أموال التي لم نحسن استثمارها للاستفادة من جلسات الانترنت الطويلة والمرهقة, إنما هي أيضا مشكلة وقت, كل المبحرين يتفقون معي أنهم لا يحسون بالساعات وهم يجلسون أمام الحاسوب, الساعة في مقهى الانترنت تمر كلمح البصر, والساعات في البيت تمر وكأنها دقائق, فالمدون يضيع الكثير من المال ومن الوقت, وقد يضيع أشياء أخرى ثمينة كصلاته, وتصبح هذا الإسراف عادة سيئة قد تصبح تقليدا مع مرور الوقت. على المدون إن أراد فعلا الاستفادة من الإبحار أن يكون واعيا بهذه الحالة الخطيرة محضرا لها في تفكيره فلا يمنح وقته للانترنت حتى يأخذ من كل دقيقة حقها.

ولكن هناك ما يعيق المدون عن القراءة والاستفادة, منها:

– الاعتقاد أن الجلوس إلى الانترنت هو من أجل ملأ وقت الفراغ, وهذا قتل مع سابق الإصرار والترصد لمحتوى الجيوب والدقائق والساعات, فيصبح مرور الوقت ومبلغ الجلسة غير مهم بالنسبة للمدون.

– احتقار القراءة وبغضها وقد يكون هذا السبب عائدا من أيام الدراسة حيث يكون الإنسان قد تشبع بكرهه لكل ما هو مكتوب, وقد يكون رد فعل للبرامج التي تملأ كل وقته وللكتب الثقيلة التي تملأ محفظته, فبالنسبة له باقي الوقت هو مجال للراحة لا للقراءة, وتصبح قناعة تكبر مع الإنسان مع مرور الوقت.

– غياب هدف يحفز على القراءة, فقراءة صفحة موقع من أجل القراءة لا يجعل من فعل القراءة عملا مستمرا, ويترتب عن هذا ظهور آفات أخرى تنفر من القراءة مثل النسيان, وتجاوز الفقرات الغير مفهومة من دون البحث في معانيها.

– الجلوس المفرط بين صفحات الشبكات الاجتماعية وعلب الدردشة التي تعتبر مضيعة للوقت عندما لا يكون الهدف من ورائها فائدة علمية أو صلة رحم, فدخول المدون بمجرد جلوسه إلى الحاسوب مباشرة إلى هذه المواقع سيجعله يسترسل في المحادثة, ويضيع على نفسه فرصة الفائدة.

– منح كل الوقت للمدونة, ولا يخفى على أحد الوقت الذي يمكن أن يمضيه المدون في التعديل على قالبه, أيضا منح كل الوقت للكتابة ونشر المواضيع, وان كان هذا أمرا ايجابيا, إلا أنه في المقابل لا بد من وقت يجب أن يخصص للمطالعة, على مدونات الآخرين مثلا, على كتب الكترونية على كل ما هو مفيد في مواقع الشبكة, وهناك الآن من المدونين من يملك أكثر من مدونة وهو ما يعني الحاجة إلى وقت أكثر من أجل الاعتناء بالمدونات الجديدة.

– إعطاء أكبر قدر من الاهتمام للإشهار, وشفرات الأدسنس التي إن لم تسير بحكمة وعقلانية يؤدي إلى إهدار أكثر للوقت, وحتى هذه النقطة تحتاج من المدون إلى الإطلاع عليها والقراءة أكثر حول تقنياتها من أجل ربح الوقت والمال.

– أخطر العوائق أن يعتقد المدون أنه قد طرق باب النجاح وأنه في غير حاجة إلى قراءة, وقد تغره في ذلك عدد المشاهدات التي تحظى بها مدونته وعدد التعليقات, وعبارات المدح والثناء والإعجاب التي تتهاطل عليه من كل صوب, وقد يقفز إلى صومعته لا يرى من خلالها إلا نفسه إذا زادت عن ذلك كله طلبات المحاورة على صفحات الجرائد, ووراء الميكروفونات الإذاعية والتلفزية. يتبع