الحسن بن الهيثم

ماذا نستطيع أن نلقب ذاك الذي يقول أنه لا يعرف أو لم يسمع عن ابن الحسن بن الهيثم إلا إنسانا يتنفس خارج مجال البشرية تاريخها وحاضرها ومستقبلها. لقد جعلته أعماله وكتبه وأعماله عالما من جليلا قاد حاضره ومستقبل البشرية من ظلام النظريات المتناقضة الغامضة إلى نور علم البصريات الذي أنار به على العالم بحقائق لا زال العالم كله الآن يمتن له بخالص الشكر والاحترام على ما قدمه للبشرية من دراسات وكتب.
ولد أبو علي محمد بن الحسن بن الهيثم سنة (354هـ- 965م) في البصرة وكان مولده في فترة تزدهر بالعلم والعلماء خاصة في  الفلسفة والطب والكيمياء والرياضيات والفلك، فنهل من كل هذه العلوم بإرادة ورغبة كبيرتين ودأب على مطالعة ما استطاع من كتب القدماء وعلماء عصره ولم يكتف بذلك بل اجتهد في تلخيصها وكتابة المذكرات والرسائل لقد كان العلم بحق الهواء الذي يتنفسه الحسن بن الهيثم صباح مساء.
جاء في أخبار الحكماء للقفطي على لسان ابن الهيثم (لو كنت بمصر لعملت في نيلها عملا يحصل به النفع في كل حالة من حالاته من زيادة ونقص) فوصل قوله إلى الحاكم بأمر الله الفاطمي (1) في مصر فدعاه إلى مصر وكلفه بما وعد بانجازه فتوجه إلى أسوان ومعه جماعة من الصناع المحترفين في أعمال البناء ليستعين بهم على تنفيذ فكرته فباشر بدراسة نهر النيل على طول مجراه وتفحصه من جوانبه كافة عندها أدرك أنه كان مخطئا في توقعاته وأحس بالعجز على الوفاء بوعده ولم يجد من مخرج غير الاعتذار إلى حاكم مصر فقبل اعتذاره وولاه أحد الوظائف في أحد الدواوين, غير أن ابن الهيثم لم يقتنع برضى الحاكم واستنتج أنه تظاهر فقط  بالرضى والقبول لاعتذاراته فلو أنصفه الحاكم لجعله في زمرة من جمعهم من العلماء في دار الحكمة ولصرفه عن الوظيفة, وما كان لمثله العالم المحقق أ يكون في ثوب الموظف, كما أن ابن الهيثم كان يعلم بأن الحاكم كان يفتك بوزرائه ويقتلهم شر قتلة, كما أنه قد قتل الكثير من العلماء, والناس, . فخشي أن يكيد به وتظاهر بالجنون والبله والعته فلما بلغ الحاكم ذلك عزله عن منصبه وصادر أمواله، وحبسه في منزله، وأمر له بمن يخدمه، وظل على هذه الحالة حتى تُوفي الحاكم بأمر الله، فعاد إلى الظهور  واعتكف قبة على باب جامع الأزهر بالقاهرة مؤلفا ومحققا وباحثا. ونسخ كتبه القديمة حتى توفي سنة (430هـ – 1038م).
لقد كان كتاب المناظر ثورة حقيقة في مجال البصريات وكان من الكتب القليلة التي سلمت من الضياع فقد تحدث الكتاب عن زعم بطليموس أن الرؤية تتم من خلال انبعاث أشعة من العين, فنفى صحة هذه النظرية وأكد بالتجربة والتفصيل أن الأشعة تنبعث من الجسم المرئي نحو العين. وبين الحسن بن الهيثم في كتابه المناظر أن الشعاع الضوئي ينتشر في خط مستقيم ضمن وسط متجانس, و تطرق في كتابه إلى ظاهرة انعكاس وانحراف الضوء, وبحث في موضوع العدسات الذي كان الأساس في استخدام العدسات المصححة للبصر. كما شرح العين شرحا كاملا وبين وظيفة كل قسم منها وشرح كيف تتكون الصورة فيها فهو أول من أطلق علي أجزاء العين أسماء أخذها الغرب و ترجمها إلى لغاته ومن هذه الأسماء : القرنية (Cornea) ، والشبكية ( Retina ) ، والسائل الزجاجي (Viteous Humour  ) ، والسائل المائي ( Aqueous Humour).
لقد أبطل العالم الظاهرة الحسن بن الهيثم كل ما كتب قديما في علم البصريات فكثير من آلات البصر ترتكز على علم البصريات والضوء بالخصوص ولسنا نبالغ إن قلنا التطور الذي يشهده علم البصريات الآن بفضل دراسات ونظريات ابن الهيثم.  ومن أهم الإنجازات انه أول من أجرى تجارب البيت المظلم أو الخزانة المظلمة واكتشف منها أن صورة الشيء تظهر مقلوبة داخل هذه الخزانة فمهد بهذا الطريق إلى ابتكار آلة التصوير.
لقد انتهج ابن الهيثم في بحوثه منهاجا علميا خالصا مرتكزا عن التجربة والملاحظة الدقيقة كسبيل للوصول إلى الحقائق العلمية.
لقد كان لترجمات “جيرار دي كريمونا” (2) لأعمال العلماء العرب وقعها الخاص حيث تأثر باحثون كثر بأعمال الحسن بن الهيثم التي كانت مرجعا حقيقا لكل أعمالهم في مجال البصريات. قال جورج سارطون (3) :”جاءت حلول ابن الهيثم متناسقة منسجمة ينظمها نظام طبيعي سليم فتتألف من ذلك وحدة وضعت الأمور في أوضاعها الصحيحة وصارت النواة التي تتكثف ونما حولها علم الضوء وان عد نيوتن رائد علم الميكانيك في القرن السابع عشر فان ابن الهيثم خليق أن يعد رائد علم الضوء في  القرن الحادي عشر.
لقد اختصر ابن الهيثم المسافة لكل من يعمل في مجال الصورة الآن وحري بكل من يعمل أو يسمع بكل ما يتعلق بالصورة أن يشير إلى مشاعره بكل معاني التقدير والاحترام للعالم الظاهرة ابن الهيثم.
هوامش
(1) هو أبو علي المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله الفاطمي لقب بالحاكم بأمر الله، ولد سنة 375هـ. كان سادس الملوك العبيديين تولى الملك وعمره إحدى عشرة سنة. قتل سنة 411هـ.
(2) جيرار دي كريمونا 1114-1187م إيطالي ، قصد طليطلة وترجم ما لا يقل عن 87 مصنفا في الفلسفة والطب والفلك.
(3) سارطون (1302 ـ 1375هـ / 1885 ـ 1956م)جورج سارطون مستشرق بلجيكي, من كبار العلماء. من أعضاء المجمع العلمي العربي. قالت مجلة المجمع في وصفه: «اخلص الحب للعرب ولغتهم, وجلا فضل علمائهم على العالم القديم, في تجرد وإنصاف».

المراجع

صورة الموضوع مأخوذة من الصفحة التالية
موقع الشبكة الإسلامية.
موقع إسلام أون لاين.
موقع مجلة مسارات الثقافية.
موقع فيزياء غليزان.
وكيبيديا الموسوعة الحرة.
موقع مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق.