تطور أدب الطفل عند العرب القدماء

طبيعة مجتمع العرب في العصر الجاهلي وظروف الحياة لم تسمح لإنسان هذا العصر بالاهتمام بهذا النوع من الأدب حيث عرف العرب بوأد البنات (1) خشية إملاق, أو خشية العار فالمولود عندما يكون أنثى يكون مصيره التراب, وكان مصير البنت الناجية من التراب الزواج في سن مبكرة, أما الولد فكان يوجه مبكرا الى الرعي وأعمال البدو ليساعد والداه على مشاق الحياة, كانت المرضعات يقدمن الى مكة من البادية لطلب إرضاع الأطفال, وكذلك تسلمت حليمة السعدية (2) رسولنا الكريم محمدا صلى الله عليه وسلم من أمه آمنة بنت وهب ونشأ في بادية بني سعد في الحديبية. وكان الأطفال في البادية يشبون على الفصاحة والشجاعة ويخشوشنون على مصاعب الحياة, وكان يتلقى من مرضعته أدبا شفهيا يعزز سلوكه وانتماءه للقبيلة, وكانت القصة من بين الأساليب التي كان يعتمد عليها العرب قديما في صقل شخصية الطفل وكانوا يتخذون من السمر مناسبة للاستمتاع بقصص الحاكي أو الراوي التي كانت قصصه تجذب إليها البالغ والطفل, كانت المادة القصصية متنوعة ولها هدف المتعة والإثارة أو الوعظ والإرشاد والاستفادة من العبر, وقد تكون أحداثها واقعية أو خرافية أسطورية, كانت القصة قديما تستمد أحداثها من الموروث الثقافي متواترة من جيل الى جيل, ومستمدة من الأحداث المختلفة التي كان يمر به المجتمع العربي القديم من أخبار وحروب, ومواقف, ولم يكن الأسلوب النثري الوحيد في سرد أحداث القصة بل كان العرب يعتمدون أيضا على الشعر كأسلوب لسرد قصة ما أو موقف ما وكان لهذا الأسلوب الوقع الشديد في النفوس, وخير مثال على ذلك المعلقات السبع التي تسافر بالمستمع الى صور حية من حياة الشاعر وكأنه يعيشها أو يشاهدها اللحظة, وكان لأخبار الشعراء والفرسان الأثر الكبير في تكوين شخصية الطفل والشاب, فالطبيعة والتركيبة الاجتماعية للمجتمع الجاهلي كان لها تأثيرها الخاص في تكوين شخصية الطفل, ومع بزوغ فجر الإسلام حدثت ثورة حقيقة في كل المفاهيم والمعتقدات القديمة الجاهلية, فتساوى الأسود والأبيض, وعتق العبيد, ولم يعد هناك فرق بين اثنين الا بالتقوى, ونالت المرأة حريتها ومكانتها وحقوقها بعد أن كانت منصة للمتعة مسلوبة من كل حق, وحرم الدين الحنيف وأد البنات وأوصى الرسول الكريم بالطفل خيرا وحبب ملاطفتهم وتفهم مشاعرهم, والنزول الى مستواهم, يقول صلى الله عليه وسلم من كان له صبي فَلْيَتَصَابَ له, أخرج الحاكم (3) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أقبل النبي صلي الله عليه وسلم وقد حمل الحسن على رقبته، فلقيه رجل فقال: نعم المركب ركبت يا غلام، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ونعم الراكب هو, وشدد ديننا على الآباء وحملهم مسؤولية تربية الأبناء يقول صلى الله عليه وسلك كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته, وفي مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الرسم الواضح لأسس ثقافة الطفل يقول رضي الله عنه لا تكرهوا أبناءكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم, فكانت التربية الإسلامية أهم شيئ يتعلمه الطفل عندما يبلغ سنا معينة من السن السابعة الى العاشرة يعلمه والداه أهم ركن في الدين وهو الصلاة, ويحرصون حتى لا يضيعها, ويعلمونهم القرآن وينشئونهم على الأخلاق الفاضلة, حتى أن النبي الكريم فضل أن يؤدب المرء ولده خير له من التصدق, يقول النبي الكريم لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع, إذن هي التربية التي تعزز الانتماء الى هذه الأمة وتعرفه بوجباته تجاه خالقه وأمته, وهي المناعة التي تصد عنه الآفات الاجتماعية, وتحبب إليه طلب العلم, فكان العلم هو أول ما نزل على نبينا الكريم, وهو أو شيئ يمنحه هذا الدين الحنيف للطفل, ففي غزوة بدر كان فداء كل أسير من قريش تعليم عشرة من أبناء المسلمين الكتابة والقراءة, وازدهرت في كل فترات الحضارة الإسلامية الكتاتيب والمدارس التي تعلم شتى العلوم, وهي المدارس التي أنجبت كل فاتح وكل العلماء في مختلف المجالات الدينية والتي تهتم بكل مناحي المجتمع الإنساني مثل الطب والكيمياء والبصريات والفيزياء, والجغرافيا وعلم الاجتماع, طبع الثقافة الأدبية كان لها نصيبها من تربية الطفل, وهو ما تجسدت قاعدته في نصائح عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابنه عبد الرحمن قائلاً: “يا بني، احفظ محاسن الشعر يكثر أدبك، فمن لم يعرف الشعر لم يؤد حقّاً، ولم يقترف أدباً”، ونقل عنه رضي الله عنه أنه قال: “ارووا من الشعر أعفه، ومن الأحاديث أحسنها, فمحاسن الشعر تدل على مكارم الأخلاق، وتنهى عن مساويها”, وبهذا كان الأدب لا يخرج عن دائرة التربية والأخلاق, وقد أدرك الأولون أن للأدب الأثر السلبي في تربية الطفل إذا لم يقدم لهم بالطريقة الصحيحة, فالجاحظ (4) يؤكد هذه العلاقة حين رأى أن ذكر السعالي (5) والأوهام والأشباح والعوالم الخفية الأخرى التي لا وجود لها حقيقة كالسمكة التي نصفها إنساني، والنصف الآخر سمكة؛ تكون من أخطر السلبيات في تربية الأطفال فتسبب ضعفاً في إدراكهم وقصوراً في تفكيرهم, الطفل أيضا في عهد الأولين كان يتعلم أمورا أخرى تفيده في صقل شخصيته كالسباحة والرماية وركوب الخيل في المقولة الشهيرة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل, وأنا أكتب هذه السطور حضرتني قصة جميلة حدث مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب, حين جاءه رجل يشكو إليه عقوق ابنه فأحضر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنه وأنبه على عقوقه لأبيه، فقال الابن: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب القرآن. فقال الابن: يا أمير المؤمنين إنه لم يفعل شيئاً من ذلك: أما أمي فإنها زوجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلاً ، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً. فالتفت أمير المؤمنين إلى الرجل، وقال له: أجئت إليّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك. أما الاهتمام بأدب الطفل فحاولت البحث في الشخصيات العربية والإسلامية التي اهتمت بهذا النوع من الأدب فوجدت معلومات قليلة وشحيحة عن شخصية الأذرعي (6) الذي كان ملما بهذا النوع من الأدب قبل أول محاولة في أوروبا بـ 135 سنة, كما يوجد في المكتبة الإسلامية الكثير من المراجع التي اهتمت بأدب الطفل, نذكر منها:

رسالة آداب المعلمين للإمام التنوخي القيرواني (7) ,وهو كتاب صغير الحجم جاء في 12 صفحة في نسخة المخطوط, و26 صفحة في النسخة المنشورة سنة 1929 م من طرف اللجنة التونسية لنشر المخطوطات العربية, وتطرق الكتاب الى مجموعة من التوجيهات الى معلمي القرآن الكريم في كيفية التعامل مع صبيانه, وأيضا منهجية تعليمهم وفق ما جاء في الكتاب وفي السنة النبوية المباركة.

كتاب أيها الولد لحجة الإسلام محمد بن محمد أبي حامد الغزالي (8) , وسبب كتابته لهذه الرسالة أن واحدا من طلبته الذين لازموه لتحصيل العلم على يديه، خطر على باله سؤال أي العلم ينفعني غدا ويؤنسني في الآخرة؟ وأيها لا ينفع حتى أتركه؟, وان كانت كتب الشيخ تغنيه عن السؤال الا أنه أرادها وريقات من خط يده تبقى معه ما بقي من عمره يعمل بما فيها من نصائح شيخه.

كتاب حي بن يقضان الموجودة في أكثر من رواية فأول من كتب هذه القصة الفلسفية ابن سينا (9) , ثم الفيلسوف ابن طفيل (10) والتي تعتبر روايته من أشهر روايات حي بن يقضان وأصبحت تنسب إليه, ابن طفيل في هذه القصة عبر عن آراءه القائلة بعدم التعارض بين العقل والشريعة في قالب قصصي, وتؤكد قصة حي بن يقظان على أهمية التجربة الذاتية في الخبرة الفكرية والدينية.

مقامات الحريري لمحمد الحريري البصري (11) , وهي عبارة قصص قصيرة تمثيلية يدور الحوار فيها بين شخصين، وقد زادها جمالا أسلوب السجع والبديع, تدور مواضيع المقامات الحريري بمجملها حول اِبتزاز المال عن طريق الحيلة من خلال مغامرات بطلها أبي زيدِ السروجي التي يرويها الحارث بن همام (12) .

كتاب كليلة ودمنة وهو ذو أصل هندي كتبها الى العربية ابن المقفع (13) عام 1221 م, وهو كتاب حافل بخرافات الحيوان المليئة بالحكمة, وترجم الكتاب الى عدة لغات أجنبية.

وكتب أخرى كثيرة وبحث دقيق في تاريخ أدب أطفال عند مختلف الأمم سيسمح بإعادة صياغة هذا التاريخ, واكتشاف حقائق على غير ما يعتقده مؤرخو أدب الطفل في أوروبا.

هوامش

(1) يروى أن أول قبيلة وأدت من العرب هي قبيلة ربيعة، وذلك على ما يروى: أن قوماً من الأعراب أغاروا على قبيلة ربيعة وسبوا بنتاً لأمير لهم فاستردها بعد الصلح وبعد أن خيروها بين أن ترجع إلى أبيها، أو تبقى عند سابيها، فاختارت سابيها وآثرته على أبيها، عند ذلك غضب وسن لقومه قانون الوأد، ففعلوا غيرة منهم، وخوفاً من تكرار هذه الحادثة.

(2) هي حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحارث بن شجنه بن جابر بن رزام بن ناصرة من بادية الحديبية, زوجة الحارث بن عبد العزّى بن رفاعة السعدي المضري, ولم يعرف تاريخ وفاتها رضي الله عنها توفيت بالمدينة المنورة ودفنت بالبقيع.

(3)وُلد بنيسابور سنةَ 933 م، وَلِي قضاء نيسابور، ولُقِّبَ بالحاكم لتولِّيه القضاء مرة بعد مرة، من مؤلفاته تاريخ نيسابور, المستدرك على الصحيحين, الإكليل, المدخل إلى علم الصحيح, تراجم الشيوخ, فضائل الشافعي. تُوُفِّي رحمه الله في نيسابور سنةَ 1014 م.

(4) 775-868 م هو أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني البصري ولد في البصرة وتوفي فيها. لقب بالحدقي لنتوء واضحٌ في حدقتيه ولكنَّ اللقب الذي أشتهر به هو الجاحظ، من كتبه البيان والتبيين وكتاب الحيوان والبخلاء وكتب في علم الكلام والأدب والسياسية والتاريخ والأخلاق والنبات والحيوان وغيرها.

(5) السعالي: معناها ساحرة الجن, وقيل أن الغول هو ذكر الجن بينما الأنثى السعلاة.

(6)ندوَة أدب الأطفال بتونس 5 –7 1986م – مجلة الموقف الأدبي – مجلة أدبية شهرية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق – العدد 184 أوت 1986 م.

(7)817 – 869 م محمد بن سعيد بن حبيب التنوخي القيرواني, ولد بالقيروان بتونس ، كان أبوه عالما وقاضيا عادلا في عهد الأمير أبي العباس أحمد بن الأغلب ولقب بسراج القيروان وقد تلقى ابنه محمد العلم عنه وعن علماء عصره.

(8) 1058 – 1111 م هو أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الطوسي النيسابوري الفقيه الشافعي الملقب بحجة الإسلام، مجدد القرن الخامس الهجري، أحد أهم أعلام عصره وأحد أشهر علماء الدين السنة في التاريخ الإسلامي من أشهر كتبه إحياء علوم الدين.

(9) 980-1037 م هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، عالم مسلم اشتهر بالطب والفلسفة. ولد في قرية أفشنة بأوزبكستان حاليا, عرف باسم الشيخ الرئيس وأمير الأطباء وأبو الطب الحديث. ألّف 200 كتاب في الفلسفة والطب, من أشهر كتبه كتاب الشفاء وكتاب القانون في الطب.

(10)1098-1185م ولد بغرناطة, شاعر وفيلسوف وطبيب. تولى منصب الوزارة ومنصب الطبيب الخاص للسلطان أبي يعقوب يوسف أمير الموحدين, توفي في مراكش.

(11) 1054 -1122م محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري أديب من أدباء البصرة يحكي الحريري عن سبب إنشائه المقامات فيقول: « إن أبا زيد السروجي كان من أهل البصرة، وكان شيخًا شحاذاً أديباً بليغاً فصيحاً، ورد البصرة، فوقف في مسجد بني حرام، فسلّم، ثم سأل، وكان المسجد غاصاً بالفضلاء، فأعجبتهم فصاحته وحسن كلامه، وذكر أسر الروم ولده، فاجتمع عندي عشية جماعة، فحكيت ما شاهدت من ذلك السائل، وما سمعت من ظرفه، فحكى كل واحد عنه نحو ما حكيت، فأنشأت المقامة الحرامية، ثم بنيت عليها سائر المقامات التي تبلغ خمسين مقامة».

(12) هذه التسمية كان يعني بها نفسه لقوله أن كل شخص هو حارث وهمام لأن كل واحد كاسب وهتم بأمره.

(13) 724 – 759 م من أشهر كتبه كليلة ودمنة الذي ترجمه من اللغة الهندية.

مراجع

الصورة مأخوذة من هذه الصفحة

ويكيبيديا الموسوعة الحرة

معجم البابطين لشعراء العربية

الموسوعة العربية

مدونة بوكس فوكس للمواضيع العلمية والثقافية المنوعة