تاريخ الصورة السينمائية

منذ أن اخترع الإنسان التصوير الفوتوغرافي سنة ألف وتسعمائة وتسعة وثلاثون وهو يلاحق الصورة ليحصل عليها كما يتخيلها ويبدو أن طموحه كان كبيرا من أجل إخراج الصورة من الورق ورؤية صورة حية متحركة أمام عينيه وكان لتوماس إديسون شرف اختراع العرض السينمائي فقام في مخبره بربط آلة للتصوير مع لوح للعرض واستمر في تحسين هذا الربط راغبا في الحصول على صورة ذات جودة وقد ذهب البعض إلى القول بأن إديسون قام بإعادة صياغة أفكار غيره ممن حلموا بالعرض السينمائي ففي فرنسا فقد كان الأخوان “لوميير” صناعا المعدات الفوتوغرافية يقومان بعدة تجارب على الصور المتحركة وقد قاما بعرض الكنتوسكوب وهو عبارة عن آلة عرض والذي عرض في فرنسا لأول مرة عام 1894م, إلا انه تبين لهما أنه لا يصلح ليكون آلة عرض لأسباب تقنية. ولذلك صنعا جهاز التوقف ثم الانطلاق، كما صنعا كاميرا كانت تختلف عن آلة تصوير إديسون في عدد مرات التسجيل بالثانية وقررا فتح مؤسسةلعرض الأفلام في باريس، واستأنفا العرض عام 1895م ومن بين ما تم عرضه فيلم “ساعة الغداء في مصنع لوميير” الذي كان يصور العمال وهم يغادرون المصنع في مدينة ليون وفيلم “وصول قطار إلى المحطة” الذي كان يصور قاطرة آتية إلى المحطة وقيل أن المتفرجين غادروا قاعة العرض من شدة الفزع. وتأثر المسرحي جورج ميليه بالأخوين الفرنسي وكان تأثره عظيماً بأفلام الأخوين لذا قرر أن يدخل عالم السينما الجديدة وصور أول فيلم أسماه Agame of Cards والذي أخرجه في ربيع عام 1896 في بيته في إحدى ضواحي باريس, ثم اخرج بعد ذلك فيلم “السيدة المختفية” و”الحصن المسكون” كما أخرج فيلم “رحلة إلى القمر” حيث كان أول فيلم عن السفر بين الكواكب وكان مزيجاً من السرد القريب والتصوير بالحيل لذلك سمي جورج ميليه بمخرج الأفلام الانطباعية التي تعتمد على الخدع في التصوير. ودخلت السينما مجال الصناعة التي تأثرت بعدة عوامل منها العامل التقني حيث أحدث الكاميرا الرقمية الاحترافية قفزة نوعية في الصناعة السينمائية  ففيلم “حرب النجوم” الشهير وفيلم “المرافق” للمخرج “مايكل مان” كلاهما صور باستخدام كاميرات رقمية ودون الحاجة إلى بكرات سينمائية وقد فرض المخرج التقني نفسه إذ أصبح ملازما للمخرج السينمائي الرئيسي الذي يعتمد الصورة النهائية للفيلم الذي لن يكون ناجحا دون لمسات التقنية التي تجاوزت الآن المؤثرات الخاصة إلى صناعة ممثلين رقميين يتم التحكم في كل حركاتهم وأدائهم بصفة عامة وربما كان لهذا جانب من الربح التجاري إذ أن الممثل الرقمي أقل تكلفة بكثير من الممثل الحقيقي الذي يكلف الكثير من ملايين الدولارات وسنشهد ميلاد نجومية جديدة للمثل الرقمي لكن تبقى لليد البشرية سواء في المجال التقني أو الإخراج أو التمثيل أو الكتابة بصماتها في مجال الصناعة السينمائية فالإبداع السينمائي فاق كل حدود الخيال ولو أن سياسة العرض والطلب قد ضيقت على اليد المبدعة في كثير من المجالات ولكن لحسن الحظ أن الكثير من المنتجين والمبدعين لا ينتجون حسب قاعدة الطلب وأن إتقان اليد البشرية متوفر في أغلب الأعمال السينمائية ولا نعني بالقول هنا المجال التقني فقط بل أيضا الإبداع النصي ففي عام 1890 ظهرت الصناعة السينمائية الصامتة التي كانت تعتمد على حوار الحركات وعلى اللقطات الهزلية دون حاجة لنص حتى العشرينيات أين أدخلت تقنية الصوت إلى الصورة وأصبح الكتاب حلفاء حقيقيين في عملية الصناعة السينمائية وفي نهاية الأربعينيات كانت كتابة النص مهنة مربحة ويدفع لهم بنفس ما يحصل عليه المخرجون والمنتجون، ويعتبر عملهم فنا. وتنشر النصوص عادة وتباع إلى الجمهور في المكتبات مثل الروايات والمسرحيات. والسينما فن تعاوني بشري راق  يوظف مئات المواهب في كل فيلم  التي تتقاضى أجورا خيالية زيادة عن التقنيين والكتاب يوجد الفنيين الحرفيين الماهرين المسئولين عن هندسة الديكور وإضاءة المشاهد ووضع الماكياج على نجوم الفيلم.
المخرج هو العمود الفقري في أي عمل سينمائي حيث يرسم منظر وشعور الفيلم وهو المسؤول عن تحويل كلمات النص إلى صور على الشاشة. وتدور كل الموارد البشرية والمعدات التقنية في فلكه ورغم هذه الأهمية فان الجمهور يعرف ممثلا ما مثلا أكثر من معرفته للمخرج. إن مصمم الإنتاج هو المسؤول عن جعل ديكورات ومشاهد الفيلم قابلة للتصديق ,ويعمل أيضا عن قرب مع المخرج الفني ومصمم الديكور ليتأكد من أن جميع التفاصيل المرئية دقيقة وأن كل تفاصيل الفيلم تعكس رغبات المخرج.
يعمل منتج الفيلم كإداري وموجه ليساعد مئات الأشخاص في الوصول للهدف النهائي وهو إتمام الفيلم في الآجال والميزانية المحددة له.

 وعلى ذكر الإبداع السينمائي الذي يتنفس برئة التقنية من جهة ويتنفس برئة أخرى أيضا ألا وهي المال فما كان لكبار المخرجين أن يحولوا أساطيرا إلى أفلام ضخمة دون تمويل مادي كاف. كما أن ارتفاع وانخفاض نسبة المبيعات أصبح مقياسا حقيقا لنجاح الصناعة السينمائية التي شهدت انخفاضا ملحوظا في مبيعات التذاكر الذي يعود إلى توفر الأجهزة المنزلية بأسعار معقولة وتفضيل المشاهد التلفزيون على دور السينما مما جعل صناع الأفلام يعتمدون على مداخيل بيع منتجاتهم إلى القنوات الفضائية والتلفزية وعلى شكل أسطوانات وأشرطة فيديو وهي تدر أرباح لا بأس بها من الناحية التجارية. النص، التقنية, الإخراج، الإعداد، التمثيل, والميزانية الضخمة كلها عوامل تمنح الشهرة وقوة الجذب وأموالا طائلة إذا ما توفرت في فيلم ما.
وان كان ما تحدثنا عنه هو مادة الفيلم فان له روحا بداخله تعكس ثقافة شعب ما وطموحاته كما يمكن أن يكون سلاحا واقفا في صف جيش ما لصناعة رأي عام حول قضية معينة يمكن لفيلم أو عدة أفلام أن تصنع الحب في قلوب الجماهير لشخصية أو فكرة, كما قد تنجح في صناعة الكراهية, السينما أيضا سلاح ذو حدين قد تكون وسلة ثقافية علمية كما قد تكون وسيلة تدميرية ونخص بالذكر هنا صناعة أفلام الجنس والعنف التي تعمل في خفاء في غرس العنف والانحراف في أوساط الشباب والمجتمعات, وان كانت المجتمعات العربية مجتمعات مستهلكة دون رقابة كل ما ينتج في الاستوديوهات العالمية فإنها أيضا تعمل كثير من الاستوديوهات العربية في نفس الطريق من خلال إنتاج الأفلام الاستهلاكية التافهة وقليلا ما يعرض على المشاهد العربي عمل ذا قيمة ثقافية واجتماعية, وكلنا أمل في أن تصحوا الطاقات الفنية والتقنية عندنا من أجل تعريف العالم للثقافة العربية والإسلامية للمجتمعات الأخرى, كل من يعمل على صناعة الصورة السينمائية هو صانع لثقافته وثقافة مجتمعه.

مراجع

صورة الموضوع مأخوذة من الصفحة التالية
وكيبيديا الموسوعة الحرة النسخة العربية
موقع جريدة الصباح العراقية
موقع إيلاف