الصورة عبر التاريخ

الاهتمام بعلم البصريات قديم قدم الحضارات, فقد اهتم اليونانيون والإغريق بهذا المجال وكانت لهم دراسات ونظريات فيما يخص انكسار الضوء والإبصار. لكن كل البحوث لم تشهد أي تقدم أو رقي وبقيت جامدة إلى غاية مجيء الحضارة الإسلامية لتحدث الطفرة في هذا العلم نظرا لتكمن علماء الحضارة الإسلامية من كثير من العلوم المرتبطة بعلم البصريات مثل الفلك والرياضيات والهندسة وغيرها من العلوم.  فأبو يوسف الكندي (185-256 هـ / 805-873م)، يُعد من أوائل العلماء المسلمين الذين طرقوا ميدان علم الطبيعة، فتناول الظواهر الضوئية وعالجها في كتابه الشهير “علم المناظر”، وكان ذلك أول كتاب عربي يُعْنَى بعلم البصريات. فقد أخذ الكندي بنظرية الانبعاث الإغريقية، إلا أنه أضاف كذلك وصفاً دقيقاً لمبدأ الإشعاع، أعطى صياغة جديدة لنظرية الانبعاث، كما يعتبر العالم العربي الظاهرة حسن بن الهيثم (354-430 هـ / 965-1038م)مؤسس علم البصريات من خلال كتابه المناظر أول مرجع في العالم الذي انطلقت من مبادئه ونظرياته كل دراسات واكتشافات العالم في علم البصريات فهو الذي قام بوصف دقيق لعمل العين وكان أول من قال أن العين هي من تستقبل الضوء خلافا لنظرية بطليموس(1) القائلة بأن العين هي من تصدر الضوء نحو الأجسام, وهو أول من نوه باستخدام الحجرة السوداء التي تعتبر أساس التصوير الفوتوغرافي. دون أن ننسى إسهامات البيروني وكمال الدين أبو الحسن الفارسي في مجال علم البصريات.
لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نفصل بين علم البصريات والصورة, فطبعا من غير معقول أن نتكلم عن الصورة دون أن نتحدث عن الضوء أو اللون, فعلم البصريات هو فرع من فروع الفيزياء يهتم بكل ما يتعلق بالضوء إنتاجه وانتقاله والكشف عنه, قياسه, ومجالات استخدامه. كما يهتم بدراسة الأمواج الكهرومغناطيسية (2) والإشعاع الكهرومغناطيسي(3) لذا هناك من يصنف علم البصريات كفرع من فروع الكهرومغناطيسي باعتبار أن الغالبية من الظواهر البصرية يتم تفسيرها بناء على الوصف الكهرومغناطيسي للضوء الذي تحدده بدقة قوانين ماكسويل(4).
كثير من التجهيزات مثل المجهر وآلة التصوير والتلسكوب تعمل وفق مبدأ علم البصريات فهي تحتوي على عدسات تنقل الضوء وتتحكم فيه كما تحتوي على ما يفيد في قياس الضوء, ينقسم علم البصريات إلى ثلاث فروع وهي البصريات الفيزيائية والبصريات الهندسية, والبصريات الكمية. البصريات الفيزيائية تهتم بدراسة التداخل , الحيود, الصفة الكهرومغناطيسية, الاستقطاب والانكسار المزدوج. البصريات الهندسية تهتم بدراسة الانتشار في خطوط مستقيمة, السرعة المحدودة, الانعكاس, والانكسار. البصريات الكمية تهتم بدراسة المدارات الذرية, كثافة الاحتمالات, مستويات الطاقة, وأشعة الليزر.
في أوروبا اتخذ العلماء من إسهامات واجتهادات سابقيهم في علم البصريات خاصة العالم العربي المسلم حسن بن الهيثم قاعدة لأبحاثهم العلمية واختراعاتهم واكتشافاتهم فقد أجرى العالم الفيزيائي الانجليزي إسحاق نيوتن تجارب عدة على العدسات وهو من قام باستخدام المنشور لتحليل الضوء إلى ألوان مختلفة.  كما قام العالم جاليليو بانجاز عدة تلسكوبات للاستخدام الفلكي ورصد الكواكب والنجوم. وقام العالم الفيزيائي الهولندي كريستيان هايجنز بدراسة الاستقطاب الضوئي واقترح نظرية موجية الضوء, ليأتي بعده  في منتصف القرن التاسع عشر العالمان الفيزيائيان الانجليزي توماس يونج والفرنسي أوغسطين فرانسنال ليؤكدا نظرية هايجنز فقد صاغ يونج مبدأ تداخل الضوء, واستنبط فراسنال صيغة رياضية دعمت هذا المبدأ الذي أيده معظم العلماء. وتتالت الاكتشافات والبحوث في عالم البصريات حيث تم قياس سرعة الضوء بدقة من قبل العالمان الفرنسيان أرماند فيزو وجان فوكوه في منتصف القرن التاسع عشر, وأوضح العالمان الألمانيان روبرت بنزن وجوستاف كيركوف أن ذرات العناصر الكيميائية تنتج خطوطًا محددة في الطيف, ليقدم الفيزيائي البريطاني جيمس ماكسويل النظرية الكهرومغناطيسية للضوء سنة 1864.
وقد عرف علم البصريات تطورا هاما في أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين وتعتبر الألياف البصرية (5) لنقل البيانات بما فيها الصورة وبجودة عالية خاصة الصورة التلفزيونية والصور المستعملة في الشبكة العنكبوتية من أهم تطبيقات علم البصريات في العصر الحديث رفقة أشعة الليزر(6) التي أصبحت لها تطبيقات لا توصف في مختلف المجالات طبيا من خلال تصحيح نظر ضعاف البصر ومنحهم أمل الإبصار بوضوح ومن دون استعمال للنظارات الطبية, وكذا محو كل رسوم الوشم ومن دون أي شعور بأي ألم, كما له استخدامات هامة في مجال طبع الصور بجودة عالية, واستخدامات أخرى صناعية وتكنولوجية هامة.
ولا زال علم البصريات يقدم خدمات جليلة ولا تقدر بثمن لعالم الاتصالات وليس لأي كان أن يتخيل موضوع البصريات و الاتصالات من دون صورة.

هوامش
(1) بطليموس اسمه الحقيقي كلوديوس بطوليمايوس عالم فلكي ورياضي يوناني وله إسهامات في مجال البصريات وتشير بعض المصادر انه عاش وعمل في الإسكندرية بقية حياته.
(2) ينقسم طيف الموجات الكهرومغناطيسية إلى ستة وهي: الموجات الراديوية,  الأشعة تحت الحمراء, الضوء المرئي, الأشعة فوق البنفسجية, الأشعة السينية وأشعة جاما.
(3) ينتج الإشعاع الكهرومغناطيسي عندما يغير جسيم مشحون كهربائيًا اتجاهه أو سرعته أو كليهما,أو عندما يدخل مجالاً كهربائيًا أو مغنطيسيًا، على سبيل المثال، تنخفض سرعته ويتغير اتجاهه، ونتيجة لذلك يطلق الجسيم إشعاعًا.
(4) هو جيمس ماكسويل صاحب أربع معادلات تصف سلوك وتغيرات الحقلين الكهربائي و المغناطيسي ، و تأثراتهما مع المادة و تحولاتهما إلى أشكال أخرى من الطاقة .
(5) الألياف البصرية هي ألياف مصنوعة من الزجاج النقي طويلة ورفيعة لا يتعدى سمكها سمك الشعرة يجمع العديد من هذه الألياف في حزم داخل الكيبلات البصرية وتستخدم في نقل الإشارات الضوئية لمسافات بعيدة جداً.
(6) جاءت تسمية كلمة ليزر LASER من الأحرف الأولي لفكرة عمل الليزر والمتمثلة في الجملة التالية : Light Amplification by Stimulated Emission of Radiation  وتعني تكبير الضوء Light Amplification بواسطة الانبعاث الاستحثاثي Stimulated Emission للإشعاع الكهرومغناطيسي Radiation.

مراجع

صورة الموضوع مأخوذة من الصفحة التالية
وكيبيديا الموسوعة الحرة النسخة العربية.
الموقع التعليمي للفيزياء.
الموسوعة الإسلامية المعاصرة
موقع بوابة العرب.
موقع قصة الإسلام.