الأسباب, العواقب والعبر

الأزمة اليونانية

شخصيا لا أفهم كثيرا في مسائل الاقتصاد العالمي ولا المحلي, وعندما أستمع الى تقارير اقتصادية في الفضائيات أو أطلع عليها من خلال الصحف والإنترنت لا أستوعب الا القليل من تلك الحزم المتناثرة من المصطلحات الصعبة التي تتطلب الكثير من الوقت من أجل فهم كل مصطلح لوحده, ولكن الأزمة المالية اليونانية جعلتني فعلا أنتبه أكثر الى الموضوع, فالأمر لا يتعلق ببلدان العالم الثالث, ولا بلد منسي في القارة الإفريقية, انه بلد أوروبي وعضو في اتحاد القارة العجوز. من خلال التقارير الاقتصادية التي اطلعت عليها ومن خلال ما فهمته فان الحكومة اليونانية تتحمل مسؤولية الانهيار الاقتصادي الذي وصلت إليه البلاد حين وجدت نفسها عاجزة أمام استحقاق الدفع للسندات التي قامت باستثمارها والتي قدرت قيمتها بـ 400 مليار دولار, وهو ما يفوق ناتجها المحلي, مما أدى الى إفلاس الدولة, ويرجع مختصون سبب الأزمة الى سنين مضت وحتى قبل انضمام اليونان الى الاتحاد الأوروبي, حيث اعتاد اليونانيون على العيش فوق طاقة مدخولهم, وزاد من حدة الأزمة زيادة الإنفاق الحكومي على الرعاية الاجتماعية وعلى القطاع العام مما أدى ارتفاع نسبة البطالة وارتفاع نسبة الاقتراض, كما يربط الخبراء ركود الاقتصاد العالمي بركود الاقتصاد اليوناني حيث تأثرت السياحة اليونانية كثيرا والتي تمثل 85.8 بالمائة من الناتج الداخلي, مما أدى الى ظهور الكثير من المشاكل الاجتماعية, وتدني المستوى المعيشي لليونانيين, حيث كشف المركز اليوناني للإحصاء أن رواتب اليونانيين انخفضت في المتوسط خلال السنوات الست الأخيرة بمقدار 22%، ووصلت إلى 13.6% خلال الفترة بين الربع الثاني من 2011 والربع الثاني من العام الجاري، ومرشحة لانخفاض يصل إلى 6% حتى العام 2013″. كما زادت الضرائب المختلفة ومنها ضريبة القيمة المضافة التي ارتفعت بنسبة 23 % منذ نهاية عام 2009، ارتفعت أسعار زيت التدفئة أكثر من 30% بالشتاء أدى لتوقف أجهزة التدفئة بعدد كبير من المنازل العاجزة عن شراء الزيت, مما أدى الى خروج اليونانيين في مظاهرات حاشدة رافضة لسياسة التقشف, وظهور حالات انتحار بسبب صعوبة المعيشة.

لم يتبق للحكومة اليونانية الا البحث عن خطة تقشف, والبحث مع الاتحاد الأوروبي على خطة إنقاذ على مراحل, وهو ما تم بالفعل, وشهدت اليونان أربع خطط للتقشف, الأولى بدأت في فيفري 2010, واستهدفت الإجراءات الحكومية خفض إجمالي النفقات العامة على الأجور والرواتب من 1% إلى 5.5% عبر تجميد رواتب الموظفين الحكوميين وتقليص مكافآت العمل الإضافي ومهام السفر. خطة التقشف الثانية بدأت في مارس 2010, وتضمنت الإجراءات رفع الضرائب على القيمة المضافة وعلى السيارات المستوردة وعلى المحروقات وخفض رواتب القطاع العام وتقليص المكافآت والبدلات الممنوحة للموظفين الحكوميين. واستمرت خطط التقشف الى خطة ثالثة بدأت في ماي 2010, وأخرى رابعة بدأت في جوان 2010. بالنسبة لخطط الإنقاذ, تضمنت خطة أولى تبدأ من ماي 2010 والى غاية فيفري 2012, حيث وافقت في 2 ماي 2010 دول الاتحاد الأوروبي إضافة إلى صندوق النقد الدولي على منح اليونان قروض مالية بلغت 110 مليار يورو على مدى 3 سنوات خلال الفترة من مايو 2010 حتى يونيو 2013. منها 80 مليار يورو مقدمة دول الاتحاد الأوروبي فيما قدم صندوق النقد الدولي 30 مليار يورو، بفائدة 4.2% وفترة سداد 7 سنوات ونصف وقد اشترط على اليونان للحصول على القروض القيام بإجراءات تقشف تهدف إلى خفض الإنفاق. خطة الإنقاذ الثانية بدأت في فيفري 2012 حيث أقرت دول منطقة اليورو في 21 فبراير 2012 الحزمة الثانية لإنقاذ اليونان، وتتضمن الحزمة 130 مليار يورو، و اتفاق لتبادل سندات ديون أثينا مع دائنيها من القطاع الخاص ينص على شطب 107 مليار يورو. وأما القروض التي سيقدمها الدائنون الدوليون فتصل في مجموعها إلى 130 مليار يورو، تسدد تدريجيا إلى غاية 2014.

محاولة فهم وبحث مصغر استفدت منه الكثير, وأهم ما استنتجته من هذه الأزمة هو مدى الخطر الذي يمكن أن يلحقه مجتمع بنفسه من خلال السياسة الغير الرشيدة للحكومة, ولا مبالاة المجتمع المدني والهيئات التنفيذية والغير تنفيذية بأي مسار قد يؤدي بانزلاق خطير بدولة بالكامل, كما استنتجت معنى الاتحاد والتضامن الذي أبداه الاتحاد الأوروبي بالأزمة بالرغم من أنه غير ملزم حسب قوانينه بأي أزمة اقتصادية قد تمس أعضاءه, لكن روح التضامن كانت حاضرة, من أجل إنقاذ الاتحاد وإنقاذ عملته من السقوط, ولا داعي لأن نسقط الأمور على العالم العربي والإفريقي لأن الكلام سيصبح مجرد مضيعة للوقت.

 مراجع

صورة الموضوع مأخوذة من الصفحة التالية

المفوضية الأوروبية تدعو قادة أوروبا إلى ضرورة إيجاد حل للأزمة اليونانية

البرلمان اليوناني يقر إجراءات التقشف رغم الاحتجاجات

أزمة اليونان المالية

أزمة الدين الحكومي اليوناني

أزمة اليونان

تداعيات مفزعة للأزمة المالية باليونان

اليونان تعاني إسرافًا وتبذيرًا وسياسة مالية فاشلة أدّت إلى الأزمة