تقضي على أمن مباحث الدولة, لكن….

فعلها الشعب المصري, وذبح في جمعة رحيل مبارك بعبع الخوف الذي ظل جاثما فوق صدورهم ثلاثين عاما كاملة, واسترجع المصريون بالقوة كرامتهم وشرفهم وبذلوا الدماء والشهداء ووفقهم العلي القدير إلى إزاحة فرعون القرن الجديد من عرشه, وهل يكفي هذا حتى يشفى الغليل من سنوات العذاب والترهيب؟, لا أبدا بل استمرت الاحتجاجات وأيام الغضب لمحاكمة مبارك وعائلته على السنوات العجاف التي عاشها فقراء مصر في عهده وهو يكنز الدولارات المُمليرة في البنوك الأمريكية والأجنبية, وحتى يغربلوا النظام من المفسدين والعابثين بكرامة وشرف المواطن, ويزيحوا عن الأرض اكبر ظلم, – مباحث أمن الدولة – أو – أمن مباحث الدولة – فكل العبارات تؤدي إلى صور التعذيب التي شاهدها الجميع على الفضائيات وعلى مواقع الانترنت, ولا زالت عالقة بذهني تلك الصورة التي عذب فيها أحد الصحفيين بطريقة لا أخلاقية وتم تصويره من أجل اهانته وتمريغ وجهه في التراب, صور فضيعة كانت تعطي كل المبررات إلى سفاحي غوانتنامو من أجل العبث بالمسلمين وتعذيبهم بحجة انتمائهم إلى القاعدة, وكيف يلام الأجنبي على إهانتنا ونحن مهانون في أوطاننا؟ بل ويهان العربي المسلم بإذن من حكام كبن على زين الهاربين أو اللا مبارك. كل ذلك كان وقودا سريع الالتهاب يسري في عروق المظلومين والمقهورين ليحرقوا دير المباحث ويخرجوا منها ما يعجز اللسان عن وصف ما احتوته الأوراق البوليسية من فضائح أخلاقية, خاصة تلك التي كانت تمارس على الأشخاص الذين تم تصويرهم في مناسبات جنسية من أجٔل توريطهم واستغلالهم لأهداف مخابراتية, مباحث أمن الدولة التي عملت لعقود من أجل تكميم الأفواه حتى يلعب مبارك في ملعب اليهود مرتاحا دون أن يزعجه أحد, حتى وصلت السفاهة والجرأة باليهودية ليفني بإعلان ضرب غزة وتدميرها من مصر. مباحث أمن الدولة التي كانت تضمن الراحة والأمن للسواح اليهود, وتضمن متابعة وتعذيب كل من يهدد أمن إسرائيل انتهى, وانتهى معه عهد التعذيب والظلم, ولكن مباحث أمن الشعب ينتظره عمل كبير من اجل متابعة وتقييم مكاسب الثورة, صحيح أن مبارك قد رحل لكن أفكاره الانتهازية والتطبيعية مع الكيان الصهيوني لا زالت تعشش في مفاصل الدولة, فبالأمس قرأت في الصحف الوطنية أن مصر ستبيع إسرائيل الغاز بسعره الحقيقي, أعتقد أن التطبيع لا زال باقيا ولم يتغير شيء, نريد للثورة المصرية أن يتغير معها كل شيء واهم ما يجب أن يتغير إلغاء التطبيع مع الكيان الصهيوني إلى الأبد, وفتح المعابر للفلسطينيين من اجل التفريج عنهم وتكسير قيود الحصار على غزة المجاهدة, الثورة المصرية إن هي حققت هذه الأهداف ستكون ثورة كل العرب والمسلمين, صحيح هناك أغنية وجوب التزام السلطات المصرية الجديدة بالمعاهدات الدولية, ولكنها الفرصة للثورة أيضا على كل الاتفاقيات التي مرغت وجه مصر في التراب, كما ثارت على رموز الدكتاتورية, وإلا فما الفرق بين مبارك وبين شخص آخر قد يطبع أكثر مما طبع حسني؟مباحث أمن الدولة أيضا انتهت وعوضتها مكاتب الأمن الوطني التابعة لوزارة الداخلية, لكن زبانية المباحث لا زالوا يتنفسون دماء الأبرياء وصرخات المظلومين ويتربصون الفرص للنيل من شباب الثورة, فان كانت اللافتات قد أزيحت من واجهات مباحث أمن الدولة فهذه الأجهزة ستنشط في الظلام دون أي واجهة وهذا أكبر خطر يتربص بمكاسب الثورة, فالمشكلة ليست في تغير الأسماء بقدر ما يجب أن تكون في تغيير حقيقي للممارسات, وبالتالي أرى أن المعارضة المصرية الحرة والنزيهة مطالبة بتوحيد صفوفها, وأخبار الانقسامات التي نسمعها في مختلف التيارات من أجل الظفر باعتماد حزب, ستشوه المكاسب وستسعى جاهدة للتسابق من أجل نيل المناصب وبعض النقاط, وستصبح الساحة السياسية مجالا للتناحر. التحدي كبير في مصر وأي عصبية حزبية أو طائفية قد تجر البلاد لا قدر الله إلى ما لا يحمد عقباه, فعلى مباحث أمن الشعب أن تسهر حتى لا تُميع أهداف الثورة, وتسهر على رعاية أكبر قضية للأمة العربية والإسلامية, قضية الأقصى.