من يصنع الآخر القانون أم الإنسان؟

لا جدال عندما نتحدث عن أهمية القانون في تسيير حياة البشر, فبدونه لكان العالم الآن يعيش العصور البدائية, تصبح الإنسانية على الحروب وتمسي على عد الغنائم و الأموات, لكن الله كرم الإنسان بالعقل فقد سعى في عصور ما قبل الإسلام الى سن القوانين من أجل تنظيم حياته المدنية, مثلما فعل حمو رابي الذي دون مجموعة من المواد في مسلته لتنظيم المجتمع وجعلها إلزامية على الجميع, وكذلك سعت المجتمعات القديمة الى تنظيم حياتها حتى أصبح لكل مجتمع إنساني قوانينه وأعرافه وتقاليده, وكلما تطور المجتمع كانت الحاجة ماسة الى تطوير القانون الذي يسير عليه, وجاءت الكتب السماوية لتنظيم حياة الإنسان والارتقاء به الى المفهوم الحقيقي للإنسانية, لكن الكتب السماوية لم تسلم من التحريف وعبثت فيها اليد البشرية من أجل تطويع النص حسب الهوى, حتى الديانات الوثنية كانت لها نصوصها وقواعدها وكل مخالف تمسه لعنة الصنم و لا ترحمه مقصلة الجلاد. إلا القرآن, الكتاب السماوي الوحيد الذي عجزت اليد البشرية على تحريفه رغم المحاولات العديدة والميزانيات الضخمة التي بذلت من أجل تحريفه, لكن الله حفظه. القرآن الذي جاء ليخرج الإنسان من ظلمات الجهل ويرتقي به الى عالم أسمى, جاء الإسلام دينا شاملا لكل مناحي الحياة ولم يترك أمرا من أمور الإنسان إلا فصله وبينه, دعا البشرية جمعاء الى عبادة اله واحد, الواحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد, وحرم على المسلمين ما يضرهم, وحرر الإنسان من العبودية, ومنح للمرأة التي كانت تدفن حية الحق في الحياة وأعطى لها حقوقا كالرجل وفرق بينهما بالتقوى والعمل الصالح وحدد لكل منها الواجبات والحقوق, وحث على العلم ومدح العلماء وأوصى بالاجتهاد في كل ما يهم الحياة البشرية, وأمر بالعدل وحرم الظلم, فكان بحق الدين الأول والأخير الذي منح للإنسان حقوقا لم يمنحها له دين ولا عرف. ولكن الإنسان القديم والحديث تمرد على القوانين والشرائع التي تقيد هواه ونزواته, وتتناقض مع احتياجاته المادية والبيولوجية, ولم يدخر الجهد ليمد يده من أجل تحريفها وتحويرها أو حذفها نهائيا من قناعاته, فكما قلنا كل الكتب السماوية القديمة كالمسيحية مثلا حرفت لذات السبب, ولأنها وظفت من أجل تحقيق المصالح هتكت حقوق الإنسان وقتلت وسلبت وظلمت واغتصبت باسم الدين الأمر الذي أدى الى الانفجار وظهور مذاهب حاربت الكنيسة مدة من الزمن فمنها من لا يعترف بالدين كالشيوعية والنظم الاشتراكية, ومنها من فصله عن الدولة كالعلمانية, وطبعا لم تسلم المجتمعات العربية المسلمة من رياح هذه التيارات فمنذ أن مزق كمال أتاتورك أوراق الخلافة ومجتمعنا يعيش في مد وجزر بين الاشتراكية والعلمانية, فبعد أن شبع من النظام الاشتراكي الفاشل الذي أغرق شرائحه في الاتكالية وانتظار ما يجود به البقر الحلوب, لم يتردد في الانخراط في الرأسمالية بعد أن تفكك الاتحاد السوفياتي وكان لا بد من تطبيق النظام بملحقه العلماني الذي يفصل الدين عن الدولة ويحاول في نفس الوقت أن يسلخ جلد الدين وخصوصياته من المواطن حتى يحافظ على بقائه وحياته. وما دامت النظم التي تحكم دواليب مجتمعنا مستوردة من الخارج كان التقليد والاقتباس من المصادر الغربية, هي منبع التشريع الجزائري الذي يغفل في كثير من الأحيان خصوصيات مجتمعنا فالقانون الناجح في المجتمع الغربي لا يعني بالضرورة أنه سيكون ناجحا في مجتمع عربي مسلم لأن المجتمع الأول يختلف عن الثاني في أدق الأمور, فالانحراف الواقع في المجتمع الغربي ينظر له على أنه النموذج وكثيرا ما توضع النظريات والقوانين على أساسه, فكيف يمكن لهذا القانون الذي بني على الانحراف أن يصلح لمجتمع عربي مسلم. وعلى أي أساس بنيت حقوق الإنسان؟ ومن أي مصادر استلهمت موادها؟ طبعا من المجتمع الغربي وباسمها تنتهك حقوق المجتمع في عالمنا العربي, فتقنين الفاحشة والترخيص للخمور والعلب الليلية كله دفاع عن حقوق الإنسان, وقريبا إلغاء حكم الإعدام باسم حقوق الإنسان, حتى القشابية والعمامة والسروال البوزكري على الجزائري أن يفكر في التخلي عنهم باسم قانون المرور وعلى الجزائري الذي يعفي لحيته أن يفكر من الآن في اللحظة التي عليه أن يحلقها من أجل صورة تلصق في البطاقة البيومترية, وعلى زوجته أو أخته أو أمه إن هي أحست يوما بحاجة الى جواز سفر عليها أن تفكر في الكشف عن ما حرم الله عليها أن تكشفه لمصور البطاقة, ولمن سيطلع عليها لاحقا في الحواجز الأمنية والمطارات, وقبل أن تبدأ الحملة في الجزائر ضد اللحية والخمار سبقتها حملات في دول أوروبية لمنع الخمار في المدارس والمؤسسات التربوية, وسخرت البرلمانات من أثمن أوقاتها لمنع البرقع على المسلمات, وأتحدى البرلمانات الأوربية ومشرعيها إن كان الخمار أو البرقع ترتديه المرأة اليهودية في كل البلاد الأوروبية أن تتجرأ على منعه أو حتى إبداء الملاحظة في موضوعه وإلا لكان ذلك معاداة للسامية…..يتبع.