من يصنع الآخر القانون أم الإنسان؟


يبدو أن مجتمعنا له حساسية مفرطة لكل ما هو تكنولوجي ومتطور, فكما ينتفخ رأس الإنسان من فرط الحساسية لمادة ما, ويسيل أنفه, ويحمر جلده, كذلك يحدث لمجتمعنا عندما تدخله تكنولوجية متطورة من وراء البحار, فقرار الداخلية باعتماد بطاقة الهوية البيومترية من دون لحية و خمار, كان بمثابة الهيستامين المفرز في الجسم بعد دخول جسم غريب, وكانت الجرعة كافية لإثارة حكة هستيرية في المجتمع والأحزاب والهيئات والأشخاص, باعتبار أن بعض تفاصيل التقنية دخيلة على مجتمعنا, فالشركة المكلفة بانجاز المشروع هي شركة فرنسية لها ماض يشوبه الكثير من اللبس على أساس تعاملاتها مع الكيان الصهيوني, ولا زال اللبس قائما في اللغة التي ستستعمل في بطاقة الهوية علما أن الاستمارات لها نسخ مترجمة الى الفرنسية وهي نفس لغة قاعدة البيانات, ضف الى ذلك الأخطاء التقنية الموجودة في الاستمارات وإشكالية اختيار شاهد في الوثيقة الذي يعتبر تجسيد للمثل القائل أخبرني عن صديقك أخبرك من أنت, وبالتالي سيصبح كل مواطن صاحب بطاقة وفي نفس الوقت شاهد في بطاقة أخرى, وكأن الملف الذي سيقدمه المواطن من شهادات رسمية غير كاف لإثبات هويته, فالعملية على ما يبدو تقنيا ستلقى صعوبات جمة ولن تكون سهلة التحقيق على المستوى القريب على أقل تقدير, أيضا قرار الداخلية الذي يلزم المواطن بحلق اللحية أو التخفيف منها, أو نزع الخمار أو إعادة ترتيبه بما يسمح للأذنين بالظهور في صورة البطاقة أكثر من غريب فمنذ عقود والملتحون يسافرون عبر أكبر المطارات الدولية, وكذلك المحجبات والمنقبات, ولا أعتقد أن هناك انتهاك لحقوق الإنسان في المطارات الدولية, والجميع يعلم أن الإرهاب قد طور من طريقة عمله فجل الإرهابيين يحلقون لحاهم حتى لا يثيروا الانتباه ويلبسون الملابس الفاخرة ويركبون سيارات من آخر طراز, كذلك قد تكون امرأة في غاية التبرج إرهابية, أو متعاونة. الإرهاب ليس بحاجة الآن لأن يتستر باللحى والخمار, فهو يستخدم كل ما هو متوفر من أجل إراقة دماء الأبرياء, المنطق يجعلنا نقول هذا ويعيننا في ذلك العلم الحديث, حيث أثبتت الدراسات أن الوجه يوجد به أكثر من ستين علامة تثبت هوية صاحب البطاقة كالبعد بين العينين دائرة الوجه, شكل الفم وزاويته, اضافة الى بصمات أصابع وراحة اليد, وبالتالي ففي حالة وجود لحية وخمار يمكن الاعتماد على طرق أخرى لقراءة الوجه بيومتريا ونضرب بذلك مثالا عن المجرم رادوفان كراديتش الصربي الذي قتل ثمانية آلاف مسلم في سربرنيتشا شرق البوسنة في جويلية 1995., تم التعرف عليه بلحية كثيفة جدا يصعب التعرف عليه بالعين المجردة كما هو مبين في الصورة أعلاه, غير أن المحققين تمكنوا وألقي عليه القبض في عيادة طبية. يجد الأخصائيين اليوم صعوبات في قراءة ملامح الوجه, منها كثرة استعمال الماكياج, وحالة التوأم الحقيقي حيث يوجد صعوبة للتفريق بينهما وهي المشاكل الحقيقية التي يبحث المختصون عن حل لها في حين لم تطرح اللحية والخمار أي إشكال, زيادة على هذا فان كل الدول التي تستعمل البيومتري احترمت خصوصيات الإنسان بما في ذلك الدول العربية كدول الخليج, وموريتانيا والمغرب ومالي وأنظمة الطيران المدني والاتحاد الأوروبي, ليس الخمار واللحية المشكلة فقط بل طرح أسئلة في الاستمارة هي مصنفة في الحياة الخاصة للمواطن تعتبر أيضا خرق لهذه الخصوصية, حيث أن البطاقة سيطلع عليها الموظفون في أي وقت وقد تستعمل معلومات المواطن للابتزاز وقد يجد بعض أسراره حديثا في المقاهي والأماكن العامة, وكل هذا مناف لقيم الإنسان قبل أن يكون منافيا لقيم ديننا الحنيف, وقيم الشرعية الدولية وحقوق الإنسان. الإنسان الذي يحلق لحيته هو حر في ذلك وللملتحي نفس الحرية, كما أن المرأة المتبرجة حرة في حياتها الخاصة وكذلك للمحجبة نفس الحياة, والقانون الإنساني جاء ليحافظ عليها حتى ديننا الحنيف أعطى للإنسان كامل الخيار في اختيار السبيل إما شاكرا وإما كفورا. الإجابة الوحيدة التي تفضل بها السيد وزير الداخلية بعد موجة الاحتجاجات هي تحميل المواطن مسؤوليته في المطارات الدولية, وأقول هنا أن ما يعانيه الجزائري في المطارات الدولية هو بسبب جزائريته وليس بسبب اللحية والخمار, وعلى الدولة الجزائرية أن تسعى الى فرض الاحترام الواجب للجزائري في أي بقعة من بقاع العالم ملتحيا كان أم لا, ولكل مواطنة جزائرية محجبة أم لا, وليس لأي كان في العالم أن يفرض خصوصيته على الآخر. فعندما فرضت أمريكا وفرنسا طرق استثنائية ومهينة في تفتيش الجزائريين لم تستثن أصحاب الأذقان الرطبة وصاحبات الشعر الحريري, بل حتى ولو وقف الجزائري عريانا في المطار لمر على السكانير فربما يكون قد خبأ شيئا ما في معدته, وعليه لا بد من الكفاح من أجل إعادة هيبة الجزائري دوليا مهما كانت خصوصيته, ولا بد للقانون الذي ينظم حياتنا والذي نصنعه بأيدينا أن ينظمنا دون أن يدوس على خصوصيتنا ولا بد للعالم أن يحترم الإنسان العربي المسلم كما يحظى هو في بلداننا العربية والإسلامية بالاحترام والتقدير.