وتجارة الشر

المضطرون

هي على وزن المعذبون في الأرض, وقد يكون هؤلاء المضطرون معذَبون أو معذِبون, ويكاد يكون خيط رقيق يفصل بين المضطر والمعذب, أو الاضطرار الى الشيء والعذاب, فأمريكا اضطرت الى احتلال العراق من أجل تنظيفها من أسلحة الدمار الشامل الوهمية, واضطرت الى التدخل في أفغانستان من أجل تحريرها من طالبان, وخلفت وراءها الآلاف من الفقراء المعذبين والمضطرين أيضا الى اختيار الأسوأ من أجل إنقاذ أنفسهم من العذاب الذي خلفته مع حلفائها في بلدهم, وبنفس المعيار, معيار الاضطرار تعتدي إسرائيل بجيشها الجبان على شعب أعزل والعالم يتفرج بحجة الاضطرار الى الدفاع عن المصالح الإسرائيلية وحماية كيانها من الإرهاب, هكذا تتعامل الأممية الجديدة وتحتل وتقتل وتسرق بحجة الاضطرار. تجار الأسلحة, تجار المخدرات, تجار العبيد, تجار الأعضاء الإنسانية, كل تجار الشر في عالم بينهم وبين أنفسهم هم مضطرون الى هذا الخيار فما عادت طريق الخير مربحة بالنسبة لهم ولا محققة لما يحلمون به من فخامة العيش, وربما عندما يقفون أمام المرآة يروا أنفسهم مناضلون من أجل قضية إنسانية, وتجارتهم كلها مع المضطرين, هذا يشرب الخمر ويدمن المخدرات, والعلب الليلية, ويختطف الأطفال لأنه مضطر الى فعل ذلك, وحتى مدمن السجائر يدخن لأن الغضب وربما حالته الاجتماعية من دفعته الى ذلك, ولا سبيل للتخفيف من الضغط الا شراء سلعة من سلع تجار الشر, وأغلب الجرائم التي يعيشها مجتمعنا الآن لو سألت مرتكبيها أو ضحاياها سيجيبونك بمبرر المضطر, ما دفعني الى كتابة هذا الموضوع هو الحديث عن المضطر في مسألة الربا, فكل الشباب الذين تعاملوا مع قروض بنكية ربوية يعتقدون أنهم اضطروا الى ذلك في غياب البدائل, خاصة مع تقدمهم في السن, وحاجتهم الماسة الى سكن والى زوجة وسيارة, وهي كلها أحلام مشروعة لأي إنسان, اضطرار قد يضطره فيما بعد الى بيع ما استفاد منه من عتاد من أجل تسديد دينه, ومع تعقد الأمور قد يضطر الى شراء سلعة من متجر الشر, وربما ااضطر الى الاقتراض من اجل الوفاء بآجال القرض.  الاضطرار الى القرض الربوي لا وجود له في نصوص الشريعة الإسلامية, وهناك من أفتى بها في الحالة القصوى التي تساوي اضطرار الجوعان الى أكل الميتة في الدقائق الأخيرة من حياته, والعطشان الكالح الى شرب الخمر, وهي حالتين لا وجود لهما البتة في وقتنا الحاضر, ونشر ثقافة الاضطرار في المجتمع مقدمة لانتشار الفساد على مختلف المستويات, وعلينا أن نقيس الكم الهائل من الفساد والجرائم والإدمان والغش والكذب, والقتل والسرقة ..و..و.., المؤدي الى العذاب بسبب ثقافة الاضطرار. تختلف الأسباب باختلاف الديانة, واختلاف أعراف وقوانين المجتمع, وباختلاف مصالح الإنسان والمجتمع, الا أن التفكير السلبي هو الذي يدفع الإنسان الى اختيار أسوأ الخيارات, بينما يدفعه التفكير الايجابي الى اختيار البدائل التي تريح ضميره, فهناك من يلجأ الى الخمر والمخدرات والتدخين حتى ينسى همه, أو يلجأ الى الربا حتى يحل مشاكله المادية أو الاجتماعية, وهناك من يلجأ الى الصلاة, والى البدائل التي ترضي الله, ( أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون ( 62 ) أم من يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون ( 63 ) ( أم من يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ( 64 ) قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون ( 65 ) ) سورة النمل.

 مراجع

صورة الموضوع مأخوذة من الصفحة التالية