خطاب خارج مجال التغطية

17 أبريل 2011
بواسطة في قضايا وطنية مع (1) من التعليقات و373 مشاهدة

في ميزان المواطن المغبون

قرر أخيرا رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة إلقاء خطاب للأمة أمس مساء على الساعة الثامنة, انتظره الجزائريون طويلا بعد سلسلة لا تكاد تنتهي من الاحتجاجات في مختلف القطاعات, وبدا على السيد الرئيس التعب والتكلف في إلقاء الخطاب وقراءة الصفحات مما يوحي أنه لا زال يعاني من المرض, المشهد كان مؤثرا امتزجت فيه ملامح العياء مع نبرات الكلمات الباحثة عن الاستقرار والأمن للوطن في وقت عانت ولازالت تعاني بلدان عربية من نار الاحتجاجات والاعتصامات, والقتل والتشريد, فالتعجيل بإصلاحات جذرية وملموسة الآن أفضل من أي وقت, لكن للأسف الإصلاحات المذكورة في خطاب السيد الرئيس جاءت متأخرة وناقصة حسب رأيي وكان من الأفضل الإعلان عنها شاملة في بداية الأزمة, لكن يبدو أن ضغط الأحداث هو الذي فرضها فرضا ونأسف لان الإصلاحات جاءت كرد فعل على الضغط وإلا لما زلنا نعيش الروتين السابق إلى ما لا نهاية من العهدات الرئاسية, فالمجتمعات التي تبغي التطور تتحرك من تلقاء نفسها من أجل تحسين أوضاعها على كافة المستويات ولا تنتظر المناسبات لفعل ذلك.

احتوى خطاب الرئيس على الكثير من الأفكار والرسائل فصل فيما بينها بعبارة ” أيتها المواطنات الفضليات.. أيها المواطنون الأفاضل” ففي الفقرة الأولى ذكر السيد الرئيس المواطنين بالفترة السابقة والتي كان اهمم انجاز فيها إخماد نار الفتنة, وإعادة السلم إلى المجتمع الجزائري كما ذكر بأهم انجاز في هذه الفترة والمتمثل في تسديد الجزائر المسبق لمدوينتها الخارجية, غي أني غير مقتنع بفكرة تقليص البطالة وتدارك العجز في السكن خلال هذه الفترة, فالمواطن لا زال يعاني حتى اللحظة من هذين المشكلين, فلا يمكن احتساب المناصب المؤقتة ضمن إحصائيات محاربة البطالة, ولا زال السكن متاحا لأصحاب الشكارة والقادرين على القرض البنكي, فيما لا زال المواطن البسيط والمغبون ينتظر لسنوات حتى يتحصل على سكن اجتماعي.

في الفقرة الثانية شرح السيد الرئيس موقف الدولة من الأحداث التي تجري في البلدان العربية معبرا عن موقف الدولة من الأحداث مؤكدا على تشبث الدولة بسيادة الدول الشقيقة ووحدتها ورفض أي تدخل في شأنها الداخلي, وهو موقف سلبي حسب رأيي أن نبقى مكتوفي الأيدي فيما يموت إخواننا الليبيين كل يوم, ونحن الذين اكتوينا بنار الفتنة من قبل ومن شأن الدولة الجزائرية أن توظف تجربتها في تقديم النصح اللازم للأطراف المتناحرة من أجل حل يقي من إراقة الدماء وتخريب الممتلكات.

الفقرة الثالثة تم فيها التذكير بانجازات الدولة في ما يخص تثبيت أسعار المواد الأساسية, وهنا أقول أنه بالموازاة مع تثبيت بعض المواد تحركت أسعار مواد أخرى نحو الارتفاع والسوق باختصار غير متحكم فيها لا من ناحية نوعية المواد التي تعرض على المستهلك ولا من ناحية السعر, كما تم التطرق إلى مسألة الاستثمار وتحرير القروض ولا زال المستثمر الجزائري يعاني من الفوائد الربوية, ولن يتحرر سوق الاستثمار في الجزائر إلا بعد حل مشكل الفوائد الربوية, بالنسبة لتمديد العقود أعتقد أن هذا شيء ايجابي بالنسبة لأغلبية الشباب الذين كان عقدهم لا يتجاوز السنة وكانوا يحصلون عليه بشق الأنفس, ولكن يبقى مؤقتا فالثلاث سنوات ما تلبث أن تنتهي ويدخل الشاب من جديد في دوامة البحث عن عمل, كما تم التطرق إلى مسألة السكن ومهما قيل عن الأرقام في هذه المسألة فان الأزمة لا زالت شاخصة عند الكثير من المواطنين الذين لا زالوا يعانون من ضيق المسكن.

وفي ثلاث فقرات كاملة ذكر الخطاب بأهم ما تم انجازه في المرحلة السابقة, وتميزت باقي فقرات الخطاب بأهم محاور الإصلاح التي يريد السيد الرئيس انجازها في المرحلة القادمة, فالفقرة الرابعة تحدثت عن إجراءات لمحاربة البيروقراطية والاختلالات المسجلة في الإدارة وهي شعارات يا ما رفعت في الحملات الانتخابية, وفي سطور العشرات من الخطابات الاستهلاكية, كما رمى السيد الرئيس بمهمة إيجاد الحلول وبرامج الاستثمار الموجهة للمؤسسات, وإيجاد الشروط لتحرير المبادرات من خلال تحسين شروط المؤسسة, وهذا يعني أن الحلول والبرامج لم يتم بحثها بعد, متى؟ الله وحده الذي يعلم.

في الفقرة الخامسة تحدث السيد الرئيس عن التعددية الحزبية, ولم نقرأ جديدا في هذه الفقرة, ولا مجال لتطور العمل الحزبي والسياسي في ضل ممارسات التضييق على الرأي السياسي والحزبي, وتدخل الإدارة في تحديد نتائج الانتخابات وتزوير نتائجها, وكان على السيد الرئيس أن يعطي ضمانات وآليات جديدة لضمان حرية التعبير السياسية وضمان الشفافية في المواعيد الانتخابية القادمة.

في الفقرة السادسة سيتم إجراء عملية جراحية تجميلية جديدة على الدستور الذي عانى دهرا من مشرط المعدلين, ولم يتم التطرق في هذه الفقرة إلى المواد التي سيتم التعديل عليها, وقال السيد الرئيس بأن المسعى سيتعزز من خلال مراجعة القانون الخاص بالأحزاب السياسية دون التطرق إلى النقاط التي سيمسها التعديل, كما سيتم التعجيل في إصدار قانون عضوي متعلق بتمثيل النساء ضمن المجالس المنتخبة قبل الاستحقاقات القادمة وهو المقترح الوحيد فيكل ما قيل لحد الآن الذي يعتبر جديدا في الخطاب, وهو حسب رأيي غير ديمقراطي ومكرس للرداءة فيما تبقى من عمر الجماعات المحلية, حيث ستصبح العضوية تحتكم للعدد على حساب الكفاءة, وعلى مثلها مثل الرجل أن تبرهم من خلال كفاءتها ونشاطها أحقيتها بعضوية أي منصب منتخب, واعتقد أن إثارة هذه النقطة هي من باب الاستهلاك الإعلامي حتى يقال بأنه تم الإشارة إلى المرأة في الخطاب, التي هي بأمس الحاجة إلى اهتمام السلطات في مجالات أخرى.

في الفقرة السابعة حاول السيد الرئيس إعطاء دور رقابي استشاري للحركة الجمعوية بصفتها فضاء للتحكيم والوساطة بين المواطنين والسلطات العمومية, ولا اعتقد أن الجمعيات عندنا بحاجة إلى نصوص بقدر ما هي بحاجة إلى دعم نوعي من السلطات المحلية, وكنا نتمنى أن يتطرق السيد الرئيس إلى هذه النقطة في خطابه.

الفقرة الثامنة مكملة للفقرة السادسة, من خلال حديث الرئيس الى ضرورة إخضاع الدستور إلى المراجعة وإنشاء لجنة دستورية تشارك فيها التيارات الدستورية الفاعلة.

الفقرة التاسعة هي الفقرة الإعلامية في كل الخطاب حيث تطرق السيد الرئيس إلى دعم الفضاء السمعي البصري بقنوات موضوعاتية متخصصة ومفتوحة لجميع الآراء المتعددة والمتنوعة, ولا اعتقد أن السيد الرئيس قد قصد هنا فتح مجال السمعي البصري للخواص, بل الدولة من ستدعم الساحة بقنوات جديدة متخصصة وعندما نقول متخصصة قد تكون في مجال الصحة أو الرياضة أو الثقافة, أو التعليم, ولا أعتقد أن هذه النقطة ستتحقق كما يتمناها الجميع.

في نفس الفقرة تحدث الرئيس عن مدونة أخلاقية لقانون الإعلام مع رفع التجريم عن الجنح الصحفية, وهو خبر يبدو هاما للعاملين في قطاع الصحافة ولكن علينا أن نتريث إلى حين الإطلاع على كامل ما ستحتويه معالم المدونة الأخلاقية الجديدة.

الفقرة العاشرة كانت فقرة ختامية دعا فيها السيد الرئيس كل المواطنين إلى مد يد العون من أجل النهوض ببلادنا لتحقيق طموحات التطور.

ما يمكنه قوله حسب رأيي في الخطاب أنه يصلح لحملة انتخابية جديدة لعدم احتوائه على تفاصيل كيفية تحقيق كل النقاط المدرجة في الخطاب وجدولها الزمني, الحديث عن كل ذلك الكم من النقاط بإنشائية وهلامية يجعلنا نحس أن فترة انجاز وتحقيق كل تلك المطالب ستكون شبيهة بقصة انجاز ميترو الجزائر, وأقول أن السيد الرئيس ركز كثيرا على جانب الحريات السياسية والإعلامية وكأننا خارجون للتو من الأحادية إلى التعددية, وان كان ما قيل جزء فقط من مطالب المجتمع الجزائري, واعتقد أن المواطن البسيط يحس بنوع من الحرية مقارنة بالبلدان الثائرة وهو بحاجة إلى إجابات مقنعة بخصوص الشغل والسكن, وبحاجة إلى برامج تنموية حقيقة في قطاع الفلاحة والصناعة والري ومختلف القطاعات الأخرى, وهو ما لم يتضمنه خطاب السيد رئيس الجمهورية, ما حاجة الشاب البطال إلى خطاب عن الأحزاب السياسية والجمعيات التي نامت دهرا على مطالبه حتى أنه احتج مؤخرا خارج أطرها احتجاجا على غلاء المعيشة, وهل يعني رفع التجريم عن الصحافة شيئا لهذا الشاب البطال أو رب الأسرة الذي يلهث دهرا وراء سكن اجتماعي, صحيح أن هناك تحسن مقارنة بما سبق بخصوص عقود التشغيل وآليات دعم الشباب لكنها جاءت فوضوية من اجل امتصاص غضب الشارع ولا تراعي حاجيات المجتمع فأغلبها ستعاني من غياب الطلب وماذا سيفعل الآلاف بطلبات وسائل النقل وماذا سينقلون؟ والحديث ذو شجون عن عالم السكن فليست العبرة ببناء ملايين الوحدات السكنية في وقت يمتلك في أشخاص عشرات المساكن الشاغرة, وتخضع فيه الاستفادة من السكنات الاجتماعية إلى المحاباة والرشوة, وعلى المسكين أن ينتظر أكثر من عشرية ليظفر بسكن.

نحن بحاجة ماسة إلى تغيير كبير في الذهنيات, ما الفائدة من تغيير الدساتير وتشريع القوانين, وبناء ناطحات السحاب, ونشر القنوات, والتباهي بالأحزاب والجمعيات, والاستثمارات والذهنيات لا زالت تعاني من بيوت العنكبوت في طريقة التفكير والتسيير, فلا يكاد يظهر برنامج إلى الوجود دون تنهشه الكلاب في مختلف مراحل الانجاز, فمتى سنهتم بقطاع التربية في مختلف مراحله ونوفر له كل الإمكانيات والوسائل, حتى نصنع مواطن المستقبل المحب لوطنه ونؤهل المجتمع إلى رفع كل التحديات؟, ومتى سيحض البحث العلمي بنصيبه من الاهتمام وقد غاب حتى ذكره في ذكرى يوم العلم؟.

Tweet
1617629
Thanks!
An error occurred!
الاوسمة: , الحياة السياسية الجزائرية

كتب بواسطة :

Retweet

انشر الموضوع

RSS Digg Twitter StumbleUpon Delicious Technorati facebook reddit linkedin Google

رد واحد لهذا الموضوع

  1. عبد الحفيظ

    17 أبريل,2011

    سلام
    و في الفقرة المخفية تحدث – فخامته!! – عن الجامعة
    و مشاكلها و الحلول التي يقترحها و المستقبل الباهر
    الذي يعده لها و لم ينس – بالطبع !! – خريجي الجامعات
    من حاملي الشهادات العليا و توعدهم* بوضائف سامية في
    الدولة العجوز و الشركات الوطنية المتوفاة منذ الأزل
    كل هذا و اكثر في الفقرات المخفية من خطابه القصير على
    غير العادة ،،، خيب املي بشدة.

    * مشفرة

أضف تعليق

Social Widgets powered by AB-WebLog.com.

WordPress SEO fine-tune by Meta SEO Pack from Poradnik Webmastera