البداية والنهاية


عالم الإنسان مليء بالثنائيات, فيه الموجب والسالب, الخير والشر وكلها خطوط تتقاطع مع خطوط أخرى كثيرة في النفس الإنسانية, وفي عالم كرة القدم تتقاطع خطوط المتعة والعنف بنفس الطريقة التي تتقاطع فيها القيم الايجابية والسلبية في نفس الإنسان. العائلة الكبيرة لكرة القدم, من لاعبين ومدربين وإداريين وأطباء, وفنيين ومستشارين, وجماهير حاضرة في الملعب أو وراء الشاشات تعيش صراعا رياضيا داخليا بين خطي المتعة والعنف, ولا شك أن كرة القدم عندما يفكر الإنسان في جوانبها المضيئة على أنها أخلاق وتربية, ووسيلة من وسائل التواصل بين المجتمعات, ويفكر في التنافس الشريف ويفكر في امتطاء صهوة الرياضة من أجل التعريف بأخلاقه وثقافته للآخر لا شك بأنه سيتمتع وهو يلعب أو يسيّر أو يتفرج.
إن المستوى العالي الذي بلغته كرة القدم الأوروبية ببطولاتها المحلية والقارية جعلها محط أنظار محبي الكرة في كل العالم فالجماهير أصبحت تستخدم كل الطرق من أجل متابعة بطولات الدول الأوروبية, أو متابعة مقابلات كأس رابطة الأبطال الأوروبية, إما عن طريق التنقل لمشاهدة المقابلة على المباشر, أو الاعتماد على البطاقات المدفوعة أو المقرصنة, أو الجلوس الى المقاهي, فمشاهدة هذه الفرق العريقة بلاعبيها النجوم ومدربيها المشهورين وجمهورها الرياضي الذواق لكرة القدم متعة حقيقة وفرجة ما بعدها فرجة, ولم تكن هذه المناسبات الكروية لترقى الى هذا الحد لو لا الاحترافية التي بلغتها الفرق والاتحادات خاصة التي دأبت على مدار سنوات تحسن من أساليب عملها في التنظيم والتكوين والتوعية, فالمتعة الكروية مرتبطة ارتباط وثيق بالاحترافية المتكاملة ونعني به احترافية الاتحادات, واحترافية الفرق لاعبين ومدربين ومسيرين وفنيين, كذلك لاحترافية الاعلام لمسات خاصة في إنجاح الفرجة, والكل يعمل كجسد واحد وأي خلل في وظيفة طرف ما من شأنه أن يكون سببا في انحطاط المستوى, كل هذا ساهم في تجريد المناسبات الكروية من الشد العصبي والتطرف العرقي والديني واللغوي حتى أصبحنا نرى لاعبين من أصول افريقية ومن البشرة الملونة يلعبون في بعض البطولات الأوروبية الأمر الذي كان ضربا من المستحيل في وقت ليس بالبعيد, ولكن هذا الكم الهائل من الايجابيات لم يمنع من وجود حالات عنف إن صح التعبير مصنفة ضمن الحالات الشاذة القليلة في الملاعب الراقية, كالهتافات العنصرية ضد اللاعبين, وبعض العنف اللفظي من الجمهور أو اللاعبين أو المسيرين, وكخلاصة هنا نقول أن مصطلح عنف الملاعب جدير بالدراسة فقط في حالات الاحتراف الراقي, عكس ما هو موجود في البطولات السائرة نحو الاحتراف, أو التي لم تسر بعد, فتكاد كثير من المواجهات لا تخلو من العنف والشغب, وكثير من الملاعب مطالبة بترميم هياكلها بعد كل مباراة, حتى أصبحت هذه الملاعب ملاعبا للعنف وليس لكرة القدم, ومن غير المنصف ربط العنف بالجماهير فقط بل الكل مساهم فيه, حتى أكاد أقول أن عنف الجماهير في المدرجات هو يف أغلب الأحيان نتيجة لعدة أسباب وعوامل تتسبب فيها أطراف أخرى وتغذيه, فالتصرفات الغير رياضية الصادرة من اللاعب داخل الميدان أو من المدرب أو أي عضو من الطاقم الفني لأي فريق أثناء المقابلة من شأنه أن يشعل فتيل الشغب في أي لحظة, كذلك الحكم بقراراته الخاطئة أو المنحازة يعتبر من أهم المساهمين, أيضا الاعلام الذي لا يهمه إلا السبق الإعلامي والتجاري قد يتسبب بنشر غسيل فريق ما أو بتدخله في الحياة الشخصية للعائلة الكروية قد يكون من بين أهم أسباب العنف, لأنها تأجج مشاعر الحقد والغضب في النفوس, أيضا من الأسباب التي أراها مهمة وهي غياب المهنية لدى النادي لاعبين ومسيرين فهناك أمور داخلية لا ينبغي لمن هب ودب معرفتها لكن للأسف تجد اللاعبين ينشرون غسيل البيت في الصحافة والمقاهي وكذلك يفعل المسيرون وهذا الاستهتار يؤدي الى تهلل هيبة النادي ككل في عيون الجماهير وما السب والشتم الذي نسمعه في الملاعب إلا حصاد الألسنة, كذلك الجمهور له مساهمة مباشرة عندما يعبر عن عدم رضاه بالنتيجة بطرق غير لائقة وربما تكون لنفسية المشاهد الجزائري دور كبير في ذلك بدليل بسيط أن ينتبه كل واحد الى نفسه وهو يتابع مباراة مصيرية في الملعب أو أمام الشاشة, كم مرة ثار لتمريرة أو صافرة خاطئة وماذا قال بعدها سرا أو جهرا.
أخيرا نأمل أن تهتم اتحاديتنا ونوادينا بهذه الظاهرة من خلال دراسة الأسباب والحلول وتشجيع البحث في هذا المجال وما يمنع من تبادل الخبرات مع دول أخرى على أن لا نأخذ كل شيء بحذافيره فلكل مجتمع خصوصياته, ولا بد للتشريع الرياضي أن يتجدد دمه مع نهاية كل موسم من خلال التقييم واستخلاص النقائص, وتحفيز الأندية والجماهير من خلال جوائز الروح الرياضية, وإطلاق مسابقات حول أحسن بحث وأحسن صورة وأحسن مقالة صحفية على أن تكون عادة سنوية فالاهتمام بالموضوع ومعالجة النقائص باستمرارية, والرفع من المستوى في كل موسم كروي من شأنه أن يحسن من الأوضاع, في انتظار ارتقاء فرقنا الى الاحترافية التي تعتبر حلم كل جزائري.