ما لهذا الأفق يستحم في حلة خضراء جديدة؟ فقد حجب الخريف عنه هذا الجمال مدة من الزمن. وما لهذا الوادي يعزف على سولفاجه أنغام العيد والاحتفال؟ وما لهذه العصافير المغردة تنشد اليوم أعذب الأناشيد؟ وحتى الأشجار تتمايل على حافة الوادي مبتهجة بالضيف الكريم.

انه الربيع

تكتسي فيه شجرة اللوز, والكرمة, وشجرة التين حلتها الجديدة, وتتخلص أخيرا من خجلها بعد أن عرى الخريف سيقانها وأذرعها, ولن يكون لأي كان فرصة ليعيرها بقليلة الحياء.

” ما أجمل الجلوس إلى الوادي في عز الربيع!!”

هكذا يفضل مراد تصريف مشاعره, وهو يجلس على ضفاف وادي المدينة ليشارك الجميع فرحتهم بالضيف الأخضر الكريم, ويستلهم من الجمال والألحان أفكاره الجديدة. ففي خرير الوادي ولحن العندليب وألوان الربيع, عجينة يصنع بها العقل ما يشاء من الأفكار.

“المجلة!!!”

التكليف الثقيل الذي أرهق به أستاذ الأدب العربي عقل مراد ووقته, مجلة فصلية تصدر عن ثانوية المدينة, وسيشهد فصل الربيع ميلاد عددها الأول.

” أنا أمام تحد, وسأنجح بإذن الله, سأجعل منها مجلة تعبر عن واقع الثانوية وآمالها”

وعقد العزم على تحقيق الهدف, حتى يكون في مستوى الثقة التي وضعت فيه, ففي القسم والثانوية من يبصره بنظرات النفرة والحقد, فليس لهذا المتفوق أن يبالغ في حصد النجاحات وهو المعوز الذي لا حيلة له. ويتغامزون عليه ويضحكون, يسمعهم أحيانا دون أن يرد, فهو العارف حق المعرفة, أن الحميمية في التعامل مع الأنداد تغير فيهم سوء الخلق. ويسأل الله دائما أن تكون نعمة العقل التي وهبها له في خدمة الخير والغير.

ألا ما أضيق القلوب!! وليست تطيق أن ترى النعمة على الآخرين, وليس على مراد إلا أن يرفع التحدي وينجز العمل بإتقان.

يتثاءب ويمدد رجليه وذراعيه وقد تسللت إليهم النشوة, وشمر على ساعديه ليبدأ العمل. وراح يجمع مختلف النماذج يستنبط منها طريقة العرض والإخراج. وقرر أن يجمع فوجا من طلبة الثانوية من مختلف اختصاصاتها, يقاسمونه العمل, إيمانا منه أن العمل الجماعي تذوب بين يديه كل الصعوبات.

اقترب من الوادي وغسل يديه وبلل رأسه وقد وضحت له خطة العمل, وانتقى من النجباء عبد القادر, مصطفى, عيسى, وأحمد.

أياما من بعد نزل الأصدقاء ضيوفا على الوادي وخضرة الربيع, حيث لا قوا أروع التكريم, فأنشد لهم الوادي وأنشدت لهم العصافير وأوراق الأشجار أنشودة الترحيب, وابتهج الأصدقاء بالجو الجميل وطاب العمل في حضرة القهوة, افتتح مراد المجلس بعد أن حمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم:

 مراد: نجتمع اليوم يا أصدقاء من أجل العمل على إعداد مجلة الثانوية و مسابقة الربيع, وعلينا أن نتعاون جميعا من أجل إنجاح هذا العمل متوكلين على الله. انه تحد وعلينا أن نكون في مستوى الثقة خاصة وأن الإدارة قد وضعت تحت تصرفنا كل الإمكانيات لإنجاح المجلة.

 عبد القادر: ما دامت المجلة هي مجلة الثانوية, فهي بطريقة أو بأخرى مجلة الجميع, وعلينا أن لا نحتكر إعداد المواضيع, أقترح أن نفتح باب المشاركة للجميع, ونقوم باختيار الأفضل منها وبما أني صاحب الاقتراح سأعمل على إنجاز الإعلان ونشره.

 مراد: هذا اقتراح موضوعي وفكرة إشراك الجميع في العمل ممتازة هل من اقتراح آخر؟

مصطفى: علينا أن لا نغفل يا جماعة أن بالثانوية عنصرا حيويا, إنها الطالبة أقترح إشراكها في إعداد المجلة, وليكن لقاؤنا المقبل في إحدى أقسام الثانوية, ولنجعل بالمجلة صفحة خاصة بالطالبة.

عيسى: فيما يخص مشاركة الطلبة علينا أن نأخذها بعين الاعتبار, الأحسن ستنشر بالطبع, أما الباقي فأقترح أن نخصص لهم مساحة للرد مع ذكر الاسم والموضوع, سيحفزهم ذلك على المشاركة باستمرار.

مراد: وماذا عنك أحمد؟

أحمد: لي اقتراح, أقترح أن نجري حوارا مع مدير الثانوية, نعرف الطلبة أكثر بشخصه, وهي أيضا فرصة لطرح انشغالات الطلبة, خاصة طلبة الداخلي, ونفتح معه موضوع إثراء المكتبة بالكتب العلمية والأدبية, وحاجة الطلبة إلى مصلى.

 مراد: حسن يا أحمد سأتكفل شخصيا بمحاورة السيد المدير, وعلى الجميع تحضير مجموعة الأسئلة التي بالامكان أن نطرحها عليه, على أن تكون مختصرة وفي الصميم, بالنسبة للمساحة الترفيهية والمسابقة تتكفل بها أنت يا أحمد مع عيسى, تجمعان ما أمكن من ألغاز ونكت ولعب فكرية, وأسئلة, وكلنا مطالبون طبعا بالمساهمة. واللقاء القادم هو لجمع المواضيع وتقييم العمل.

عيسى: المسابقة لا بد لها من جوائز تشجيعية, وعلينا أن نضبط الأمر مع الإدارة وهي فرصة لعرض الموضوع على مدير الثانوية أثناء الحوار. الجوائز تكون للثلاث الأوائل بالطبع.

 مراد: جيد يا أصدقاء شخصيا أكاد أتخيل كل المجلة وأتصورها جاهزة الآن. وأشكركم جميعا على النظرة الراقية للعمل, الموضوع لا زال مفتوحا للنقاش والمجال مفتوح لمن يريد التدخل.

وواصل سرب الأصدقاء عملهم في الطبيعة الخلابة, وواصلوا الحديث عن مشروعهم وكلهم عزم على تحقيقه في صورة راقية. وبادروا إلى تحديد لقاءات دورية لتقييم العمل, وتمكنوا من تحقيق كل ما اتفقوا على فعله. وازدان الربيع بأول عدد من مجلة الثانوية وأبهر الجميع بالعمل وبالمواضيع وما زاد في اهتمام الطلبة والأساتذة سؤال من أسئلة مسابقة الربيع الذي وصل صيته خارج أسوار المدينة يقول نص السؤال:

لمن هذه الأبيات وفيمن قيلت؟

 زلـزل الأرض مصاب العرب وتلاقـى شرقهـا بالمغـرب

وغـدا عـاليـهـا سافلهـا فهـي فـي حزن وأمر عجـــــــب

ورعـود وبـروق حـفـلـت بظـلام وبـلـيـل مـرعـــــــــــب

وأعـاصيـر ومـا خلـفـه ذلك الـزلـزال طـول الحقـــــــب

أي خطـب حطـم الأرض وما هـذه الضجـه بيـن الشهــــب

هل مضى عنـها الذي تحرسه أم تراهـا نكـبـت بالعطـــــب

وهم الطلبة بالبحث عن صاحب الأبيات والشخصية موضوع القصيدة, وتعرفوا بذلك على ركن من أركان البيت

العربي الكبير, وعن شخصية من شخصياته العملاقة.


صورة القصة مأخوذة من الصفحة التالية