دفاتر الرأي

قل ولا تقل

قضايا وطنية

الشعب الجزائري يرمي المنشفة

أحزاب التعددية تمنح الشرعية للأحادية

شاركت في الانتخابات التشريعية معتقدا أني ربما قادر أن أساهم ولو ببيكسل صغير في تغيير لون الوجوه التي أحكمت الخناق على دواليب الحكم في الجزائر, لون صعب وخطير لا يوجد له مثيل في العالم كله, وتأكدت من ذلك عند الإعلان عن نتائج الانتخابات, هل يعقل لشعب أحرق الشوارع من أجل أسعار الزيت والسكر, وشعب متذمر من أخبار الانتحار حرقا بالبنزين يوميا على صفحات الجرائد الوطنية, وشعب قد ضاق ذرعا بل واختنق بالأسعار الملتهبة للمواد الأساسية, شعب يكاد يجن وهو يرى بأم عينه كيف تقوم الدولة بتبذير أمواله في التفاهات بينما يعيش هو ضنك الحياة, شعب على اطلاع بحجم الفساد الموجود في كل دواليب الإدارة والمؤسسات الاقتصادية الجزائرية, هل يمكن حقا لهذا الشعب أن يمنح 288 مقعدا لحزبي النظام الأفلان والرند؟, هل يمكن لشعب أحرق الشوارع في الخامس من أكتوبر 1988م, وشعب عبر بالأغلبية الساحقة عن رفضه للنظام في تشريعيات 91, وكادت بعدها أن تحترق الجزائر بمن فيها من أجل توقيف المسار الانتخابي, هل يمكن حقا لهذا الشعب مع كل هذا الحجم الرهيب من الألم أن ينتخب من أجل استمرار الألم؟, نعم للأفلان قاعدة انتخابية ولكن لا يمكن لها أبدا أن تصل الى هذا الحجم من النجاح, قالوا أن الشعب اختار عدم المغامرة, ولكني أرى من خلال هذه الانتخابات أن نظام الحكم من فضل عدم المغامرة بمنح فرصة للأحزاب التي برهنت كثير منها على وطنيتها ورغبتها في خدمة الجزائر, وفضل أن يقتلع من الجذور كل من يحاول أن يزرع بذور الربيع العربي في الساحة السياسية الجزائرية, وهاهي الجزائر ستستمر خمس سنوات أخرى بنفس النفس, وبنفس النسق الى أن يرث الله الأرض ومن عليها مادامت أحزاب المعارضة تصر على العمل والتحرك بنفس النفس ونفس النسق, وما دام الشعب الجزائري يفضل المقاطعة بنفس النفس ونفس النسق. نظامنا فضل عدم المغامرة, والشعب الجزائري استسلم لليأس بعد معارك كبيرة ضارية لم يستطع من خلالها أن يزعزع هذا النظام, فهناك نسبة كبيرة من الجزائريين لا تصوت ولا تتابع ما يحدث في الساحة السياسية لأنها تعتقد كما تعتقد بوحدانية الله, أن لا فائدة من الانتخاب, حتى أني اليوم تفاجأت وأنا أتحدث مع أحد الأصدقاء من المواطنين البسطاء عندما عددت له نتائج الانتخابات تفاجأ متسائلا عن معنى تكتل الجزائر الخضراء, فهو لا يعلم حتى بالمشاركين في هذه الانتخابات, هناك فئة أخرى فضلت أن تعبر عن يأسها بطريقة حضارية, وفضلت أن تعبر عن رأيها بالأصوات الملغاة والتي تجاوزت عتبة المليون وستمائة ألف صوت, وفئة أخرى صوتت مجبرة, وفئة صوتت طواعية اعتقادا منها أن فرصة التغيير حانت, لكن الأفلان والرند يفوزان بهذه التشريعيات بنفس الطريقة التي يفوز بها أي ملاكم بعد رمي المنشفة من الخصم, وينسحب الشعب في صورة حزينة مليئة بمشاهد اليأس. إن كان فريق برشلونة يوصف بأنه فريق من كوكب آخر, فإن الآلة الإدارية الجزائرية التي تسير كل مناسبة انتخابية من مجرة أخرى, وقد أصبحت محترفة في تسيير هذه المواعيد بطريقة سحرية وخارقة للعادة, خاصة في ظل محدودية الأداء الحزبي الذي لا يستطيع أن يشرف ويراقب كل المكاتب المنتشرة في كل أنحاء الوطن, والذي أصبح يعمل بطريقة بدائية في تعبئة الناس وتسيير الحملات الانتخابية. صحيح أن البلاد ستستقر خمس سنوات أخرى, لكن الفساد سيستمر في الزحف والحركة, مع كل ألوان التبذير والرشوة والمحسوبية, وستستمر حكاية برلمان آخر مليء بالكائنات العاشقة للامتيازات والتغماس, وما على الأقلية التي راهنت على التغيير وأخفقت أن تعمل منذ اللحظة على تغيير خطة اللعب.

 الصورة مأخوذة من هذه الصفحة

تفاصيل العملية الانتخابية في موقع وزارة الداخلية الجزائرية

شارك
المقالة السابقة
السباق نحو المزلش
المقالة التالية
فايسبوكيون في الأسر

5 تعليقات

  1. رياض

    الشعب أرادهم

  2. رمزي الجزائري

    السلام عليكم أحي و زميلي في التدوين الأستاذ يحي … لن تتفاجأ كثيرا لو قلت لك بأنني أشاطرك التحليل والتعليل ..بل وحتى تحميل من أشرف على التزوير (النظام) كما كل من سيسكت عليه ويسلم لنتائجه (الأحزاب المعارضة والشعب) المسؤولية عما ستؤول اليه اوضاع البلاد والعباد ….وأعتقد أن أهم خلاصات هذه المهزلة تتمثل في ضرورة خلق توافقات جديدة ونسق ومنطق متجدد يعتمد على مقاربة مستحدثة لعملية التغيير… تكون ملامحها وميكانيزماتها أقرب للوحدة منها للتشرذم والخطاب البرنامجي ورؤية سياسة مرحلة انتقالية وتفاوض على تسليم السلطة ….أي يجب ترحيل النظام والقطع مع الذهنيات والشخصيات التي تكرسه … وأضعف الايمان عدم اضفاء المشروعية عن هذا البرلمان المزور بمقاطعته والتخندق مع الشعب لرفع المشروعية عن النظام واعداد بديل على قاعدة الاصطفاف الوطني للتحول نحو الديمقراطية نهائيا من خارج المنظومة الحالية … التي اثبتت الوقائع ألا تغيير ممكن من خلالها …. والسذاجة عرفها انشطاين بأنها محاولة ايجاد حلول لمشاكل بنفس الطريقة التي اوجدتها…. والله أعلم وأعلى وأحكم….تقبل مني خالص التحية

  3. يحيى أوهيبة

    يحيى أوهيبة

    وعليكم السلام
    هذا وأرى أنك لم تضع يدك على الجرح بعد, التكتل فشل ولا زال يحمل المسؤولية لمن زور وهو في الحقيقة يتحمل كل الوزر
    ولك مني كل التحية والتقدير

  4. رمزي الجزائري

    هذا لو كان النظام الذي زور كل المواعيد الانتخابية في تاريخه سقط ونظمت انتخابات جهة محايدة أما وهو هو من نظمها والعديد من الشواهد المعاينة من طرف اللجنة الوطنية للمراقبة تؤكد حدوث التزوير فكلامك يناقض اوله آخره … وهذا لا يمنع مراجعة التكتل كاي تنظيم لأداءه وتطويره …ولكن ليس هو من زور ارادة الشعب ….ويبقى السؤال : هل هناك فعلا جدية في معالجة الأسباب الحقيقية لأزمة الجزائر؟ أم أننا فقط نتقن الهروب الى الأمام وجلد الذات والتمعن في فروع المشكل لا في اصوله ؟

  5. يحيى أوهيبة

    يحيى أوهيبة

    أنت تحدثت عن نظرية الغباء والسذاجة التي تحدث عنها آنيشتاين , تنطبق تماما على الأحزاب التي تشارك في كل مرة وفي كل مرة يتم التزوير….انها بحق تستحق خلاصة آينشتاين بامتياز, أما قصدي من التعليق السابق أن تركز أحزاب التكتل على اصلاح عيوبها التي لم تنتبه لها ودخلت بها هذه الانتخابات..فحصل لها تماما كالمرات السابقة…هل هو العمى السياسي صديقي؟؟

اترك تعليقاً

%d مدونون معجبون بهذه: