دفاتر الرأي

قل ولا تقل

قضايا عربية

لماذا يريدون قتل القذافي؟

الحرب على ليبيا من وجهة نظر مختلفة


منذ بداية الحرب الأهلية في ليبيا لم اكتب حرفا عن هذه الأزمة بسبب ما كان في نفسي من تساؤلات كثيرة لم أجد لها جوابا لها لا في صحفنا الوطنية ولا على الفضائيات, لماذا لم تأخذ الأحداث في ليبيا نفس منحى الأحداث في تونس ومصر؟ لما انعرجت بسرعة نحو الحرب؟, حتى أصبحت دولتان الآن في ليبيا دولة في الشرق وعاصمتها بن غازي بقيادة المجلس الانتقالي, ودولة في الغرب وعاصمتها طرابلس لا زال يقودها القذافي لحد الساعة, لما هذا الاعتراف السريع من فرنسا ودول من القارة العجوز والولايات المتحدة الأمريكية بالمجلس الانتقالي؟ وهذا الإجماع السريع أيضا من أجل ضرب القذافي ومواقع عسكرية لقواته؟ الأحداث تذكرني بأحداث العراق الشقيق أين تحالفت عليه قوى الشر من أجل تحطيم بناه التحتية, بحجة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل, وحققت كامل أهدافها من خلال اغتيال الراحل صدام حسين رحمه الله, وبعده اغتيال العلماء, وتقسيم العراق, والسيطرة على طاقة النفط في خطوة من أجل إزالة خطر لطالما أرق إسرائيل وقوات الشر بقيادة أمريكا, والتسمر في المنطقة لمراقبة الوضع عن قرب, لكن يبدو في مثال ليبيا أن القذافي هدف أكثر من أي شيء آخر, من خلال الضربات التي تستهدفه يوميا, ومن خلال الاعتراف وتسليح المجلس الانتقالي الذي يسعى هو أيضا لقطف رأسه.

جون بول بوكالا كاتب من أصل كامروني ومدير معهد الدراسات الجيوستراتيجية, وأستاذ في علم الاجتماع في جامعة الدبلوماسية بجنيف السويسرية, كتب موضوعا يجيب فيه عن تساؤلات العنوان, لماذا يريد الغرب قتل القذافي؟ ويرجع الأسباب الحقيقة للحرب على ليبيا إلى عدة نقاط أهمها الانتقام من مسعى القذافي في منح إفريقيا أول ثورات العصر الحديث والذي يتمثل في ضمان تغطية شاملة للقارة في خدمات الهاتف والتلفزيون, والإذاعة, وتطبيقات عديدة كالتطبيب والتعليم عن بعد, حيث ولأول مرة تصبح كل تلك الخدمات متوفرة بأسعار منخفضة عما كانت عليه, وبداية القصة كانت سنة 1992, عندما قامت 45 دولة افريقية بتأسيس شركة راسكوم بتصنيع قمر صناعي للاتصالات من أجل تخفيض كل أسعار الاتصالات من والى إفريقيا, حيث كان الأفارقة سابقا يدفعون مبلغ 500 مليون دولار إلى أوروبا للاستفادة من خدمات الاتصال على الأقمار الصناعية الأوروبية كأنتالسات.

القمر الصناعي الإفريقي راسكوم 1 كلف 400 مليون دولار فقط دفعت لمرة واحدة وأزاحت عن القارة شر دفع الـ 500 مليون دولار كل سنة, ففي 2006 أزاح القذافي عن القارة إشكالية تمويل صناعة هذا القمر, حيث تكلف بـ 300 مليون دولار من المبلغ, وشارك البنك الإفريقي للتنمية بـ 50 مليون, بنك إفريقيا الغربية للتنمية بـ 27 مليون, وبهذا حصلت إفريقيا على أول قمر صناعي للاتصالات خاص بها في 26 ديسمبر 2007, وتم إطلاق قمر آخر في جويلية 2010, وهناك مشروع مبرمج لسنة 2020 أين سيتم إطلاق قمر صناعي 100% إفريقي التكنولوجية في الجزائر ينافس أفضل الأقمار في العالم بتكلفة أقل بـ 10 مرات و يعتبر إحدى التحديات الكبيرة للقارة. وهكذا يكون القذافي قد تسبب في خسارة قدرها 500 مليون دولار سنويا للقارة الأوروبية.

ثانيا البنك المركزي الليبي الذي استلم منه أوباما 30 مليار دولار سيساهم في وضع الصيغة النهائية للاتحاد الإفريقي من تأسيس صندوق للنقد الإفريقي والذي استطاع بـ 25 مليار دولار فقط أن يوقف القارة على قدميها من خلال ما موله من مشاريع, مما جعل كثير من الدول الغربية تسعى من أجل الانضمام إلى الصندوق لكن الأفارقة قرروا في ياوندي يومي 16 و 17 ديسمبر 2010 أن تكون البلدان الإفريقية هي الممثل الوحيد للصندوق, كما سيعمل البنك المركزي الليبي على المساهمة في وضع الصيغة النهائية للبنك المركزي الإفريقي الذي سيصدر العملة الإفريقية ويضع نهاية لهيمنة الفرك الذي مكن فرنسا من وضع يدها على الكثير من البلدان الإفريقية لمدة 50 عاما كاملة.

كل هذه التطورات جعلت كاتب المقال يستشرف أن تكون الحرب القادمة على الجزائر, فإضافة إلى الثروات الضخمة من الطاقة, الجزائر لها احتياطي صرف يقدر بـ 150 مليار أورو, فكل البلدان التي تقوم بقنبلة ليبيا لها مصالح مشتركة, وكلهم مفلسون, فالولايات المتحدة الأمريكية لها 14.000 مليار دولار ديون, وتشترك فرنسا وبريطانيا وايطاليا في 2000 مليار دولار, وفي المقابل 46 دولة افريقية لها أقل من 400 مليار دولار كديون عمومية, وكل هذه البلدان الغربية من مصلحتها إشعال حروب وهمية في إفريقيا على أمل ضرب استقرارها وعلى أمل إيجاد بعض الأوكسجين والوقت لحل مشاكلها المالية, وأقول ربما نجد بعضا من التفسير هنا على الحملة التي يقودها المجلس الانتقالي على الجزائر بعد زيارته المفاجأة إلى فرنسا التي اعترفت به في وقت قياسي والذي يعمل حاليا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على تجسيد المخطط الغربي على الأراضي الليبية, واستفزاز الطرف الجزائري من وقت لآخر لجره إلى عتبة الحرب.

ثالثا عمد الغرب إلى تأسيس تنظيم جهوي من أجل تكسير مشروع الولايات المتحدة الإفريقية والذي يعتبر خطرا حقيقيا على الغرب بقيادة القذافي, ولهذا كان مشروع الاتحاد من أجل المتوسط يهدف إلى فصل الشمال الإفريقي عن جنوبه, من خلال تطبيق سياسية عنصرية تعتبر شعوب دول الشمال العربية أكثر تحضرا وتمدنا من دول الجنوب, كل هذا فشل لأن القذافي رفض المسير على هذا البساط, ورفض اللعب باعتبار الاتحاد من اجل المتوسط كان يريد الشراكة مع بعض الدول الإفريقية وليس كلها, في حين كانت البلدان الأوروبية الـ27 كلها عضو في هذا الاتحاد المتوسطي, الأمر الذي جعل الاتحاد من أجل المتوسط يولد ميتا بقيادة ساركوزي كرئيس ومبارك كنائب رئيس, الأمر الذي جعل ألان جوبي يحمل القذافي فشل الاتحاد, وفي نفس السياق لازال الاتحاد الأوروبي يشجع ويمول اتحادات جهوية في افريقية لعرقلة مشروع الاتحاد الإفريقي, فالـ CEDEAO الذي يملك سفارة في بروكسل ويمول من الاتحاد الأوروبي يعتبر عائقا حقيقيا في وجه الفدرالية الإفريقية, تشترك معه في الهدف اتحادات أخرى كالـ ,COMESA l’UDEAC ,ADC والمغرب العربي الكبير والتي لم تنجح قط بفضل القذافي الذي فهم لعبة تكسير الاتحاد الإفريقي جيدا.

رابعا القذافي الإفريقي الذي ساهم في محاربة الأبارتايد هو موجود في قلب كل الأفارقة كانسان سخي وإنساني لدعمه الخالي من المصلحة الشخصية للنظام العنصري في جنوب إفريقيا, وهو الذي كان في غنى عن فتح جبهات مع الغرب من خلال دعمه المادي والمسلح للمؤتمر الإفريقي في معركته ضد الأبارتايد. ولهذا قام نيلسون مانديلا مباشرة بعد خروجه من السجن بعد 27 سنة كاملة بمحاولة فك الحصار الأمريكي الجائر على ليبيا يوم 23 أكتوبر 1997, رافضا محاصرة شعب كامل من أجل معاقبة شخص واحد, لهذا توجه نيلسن مانيدلا إلى ليبيا ومن هناك قال في خطاب شهير مخاطبا بيل كلينتون ” لا توجد دولة في العالم تستطيع أن تلعب دور الدركي, ولا توجد دولة تملي على الآخرين ما يجب فعله ” وأضاف ” الذين كانوا أصدقاء لأعدائنا بالأمس هم اليوم الذين يقترحون علي عدم زيارة صديقي القذافي وينصحوننا بنسيان أصدقاء الأمس “, بالنسبة للغرب أعداء مانديلا كانوا أصدقاء, لذا كان من الواجب أن يصنف المؤتمر الإفريقي بقيادة مانديلا كإرهابيين, وانتظر العالم إلى غاية 02 جويلية 2008 حيث قام الكونغرس الأمريكي بالتصويت من أجل حذف مانديلا ومؤتمره من القائمة السوداء ولكن للأسف ليس كاعتراف بالخطأ الفادح الذي ارتكبه الأمريكيون في حق قضية إنسانية ولكن كان ذلك هدية فقط في عيد ميلاد مانديلا الـ90. وهاهم يحاولون بشتى الطرق قتل من كان عونا لمانديلا في قضيته ضد العنصرية.

يريدون قتل القذافي لأنه تسبب في خسارة كارثية للاتحاد الأوروبي قدرها 500 مليون دولار سنويا, ويريدون قتله لأنه يريد أن يزيح صندوق النقد الدولي من الساحة الإفريقية من خلال تأسيس صندوق النقد الإفريقي وإنهاء هيمنة الفرنك من المعاملات الإفريقية, ومن خلاله وضع حد للهيمنة الفرنسية على كثير من البلدان الإفريقية, يريدون قتل القذافي الذي يقف حجر عثرة أمام كل محاولات الغرب من أجل تقسيم إفريقيا وفصل شمالها على جنوبها, وقتل ذلك الإلحاح و الإصرار الذي يكافح به القذافي من أجل تأسيس فدرالية افريقية, ويريدون قتل الرمز الذي كسبه القذافي من خلال كفاحه ضد العنصرية في إفريقيا, وبموت القذافي سيزيح الغرب شبحا لطالما سبب له الكثير من المتاعب التي تعتبر خطرا حقيقيا على اقتصاده بالدرجة الأولى, ويزيح عنه هذه الشخصية التي تسعى بشتى الطرق للنيل من الغرب ومن اقتصاده زنقة زنقة بيت بيت شبر شبر, وهذا ما يفسر حالة الكلب والهيجان التي تطبع تصرفات الغرب, خاصة الطرف الأوروبي والفرنسي من خلال الاعتراف القياسي بالمجلس الانتقالي, والسعي من أجل تسليحه, وإدخال ليبيا في حرب أهلية حقيقة, ومن خلال هذا المجلس فتح جبهة أخرى مع الجزائر من أجل الزج بها في حرب الرابح الوحيد فيها هو الغرب, وهل يمكن لعاقل أن يقتنع بأن قنبلة طرابلس هي من أجل عيون المجلس الانتقالي وعيون الثوار؟, وهل يمكن لعاقل أن يقتنع أن قنبلة طرابلس وقتل المدنيين هي من أجل إحلال الديمقراطية كما ادعى بوش سابقا عندما قنبل مع حلفائه بغداد؟ وهل يمكن لعاقل أن يصدق أن ثورة تونس وثورة مصر وثورة ليبيا يقف وراءها شباب الفايس البوك؟ طبعا لا أحد يصدق أن أحدهم دفع للبوعزيزي من أجل أن يحرق نفسه, ولا أحد يصدق أن أحدهم دفع للشباب التونسي من أجل الإطاحة بنظام بن علي, لكن الغرب دفع من خلال تخليه عن بن علي ويدفع من أجل أن تبقى تونس غير مستقرة على مختلف الأصعدة, والمثال ينطبق على مصر التي ما زالت شوارعها تشهد الاحتجاج يوميا, وهاهي النار الطائفية تشتعل في الأفق, والغرب سيدفع الغالي والرخيص من أجل أن تبقى مصر غير مستقرة, لأن غياب الاستقرار في دول الشمال سيفصلها هذه المرة رغما عنها عن دول الجنوب الأفريقي وهو ضرب في الصميم لكل المشاريع الإفريقية المشتركة, لقد اختار الغرب الحرب وهو الذي يملك كل الأدوات الدبلوماسية والسياسية من أجل حل أي مشكل أينما كان.

هل كان القذافي من خلال مساندته لبن علي ومبارك مدركا لحقيقة الخطر؟ ولما أخطا التقدير وخانته بصيرته في امتداد فتيل الثورة إلى بلده؟ كيف نجح إفريقيا في محاولة لم الشمل وفشل محليا في إطفاء نار سميت بالثورة؟ لما اختار الحل العسكري وقتل معارضيه, في حين كان قادرا على حل كل شيء بالحوار وكان بإمكانه التنازل من أجل وحدة ليبيا ومن أجل كل ما أنجزه على المستوى الإفريقي؟ وهل هناك عوامل أخرى في الميدان أقوى منه ومن الثوار ستمنع عنها أي مسعى المصالحة ؟ ولما لا يتحرك هذا الاتحاد الإفريقي وتتحرك هذه البلدان الإفريقية على الأقل من أجل رد جميل القذافي؟ وهل يمكن القول أن وجود مرتزقة أفارقة في صفوف قواته يد افريقية تعينه على حربه ضد الثوار والغرب؟ كثير من الأسئلة تتبادر إلى الذهن والوقت والتاريخ سيكشفان لنا عظمة ما خفي في القضية الليبية.

أعرج قبل أن أنتهي من هذا المقال على موقف الجزائر من القضية, ويحق لي أن أعطيها كل الحق عندما رفضت الضربات العسكرية على ليبيا وأعتقد أن الطرف الجزائري ملم بخبايا القضية, وقناعتي زادت عندما استحضرت ما قالته الجزائر بخصوص تلك الصعوبات التي ستواجهها في حال فوز المجلس الانتقالي بعرش القذافي حيث سيكون المجلس مجبرا على رد ديون من وقف معها من الغرب ولا نقصد به المال وان كان النفط وفاتورة الضربات أرقاما في الفاتورة, بل سيكون هذا المجلس حجر عثرة في وجه أي محاولة لإعادة بناء ما بدأه القذافي على المستوى الإفريقي, وسيصبح حلم الفدرالية الإفريقية وصندوق النقد الإفريقي والعملة الإفريقية حتما في خبر كان, الجزائر تقول أن ما يحدث في ليبيا شأن داخلي ولا دخل لها فيه لكن في واقع الأمر تحاول التدخل وعليها أن تفعل من أجل أن تبعد الخطر عن حدودها وتبعد نوايا الغرب الحقود في ضرب استقرارنا من جديد. فهل يكون كل هذا كافيا حتى يقتنع شبابنا بعدم السقوط في فخ من ينادي بثورة في الجزائر لأنها بكل بساطة تصب في لعاب الغرب.

هوامش

– مقال الأستاذ جون بول بوكالا للتحميل من هنا


شارك
المقالة السابقة
ثورات داخل الأسر
المقالة التالية
القذافي والانتقالي يبيعان ليبيا للناتو

3 تعليقات

  1. عبد القادر

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    طبعا اخي الكريم فالغرب عندما يدعم المجلس الانتقالي ليس حبا ولا لدعم الديمقراطية وانما لتحقيق مصالح قد قمت بذكرها وما خفي اعظم .

  2. أسامة

    أولا مع كل احترامي لوجهة نظرك الا أنك صورت القذافي على أنه ولي الله في ارضه و اخي الكريم الم يستطع القذافي التنازل عن الحكم بسهولة و أنا متأكد أنه سيبقى يعمل من وراء الكواليس لمشروعه العظيم ((افريقيا)) … لماذا هدد شعبه بالابادة , لماذا كرس طائراته في قصف المدنيين في المناطق التي تحتوي على الثوار … و السؤال الذي يحيرني : بالله عليك ما هي الانجازات التي حققها هذا المجنون حتى نقول رد الجميل ؟؟؟ لكي أصارحك القول أنا من أشد المعارضين لما يحدث اليوم في العالم العربي و فأنا اعتقد ان هذه الثورات كما تسمى فتن أكثر من كونها مطالبة بالديموقراطية , رغم أنني أؤيد رمي جميع حكام العرب في مزبلة التاريخ فهم لم و لن يقدموا أي جميل الى هذه الأمة سوى الدمار و الخراب و الفساد … و الدور آتي على الجزائر لا محال

  3. عبد الله

    وعليكم السلام اللهم احفظ بلادنا الجزائر من الفتن و سائر بلاد المسلمين

اترك تعليقاً

%d مدونون معجبون بهذه: