وترخص للعنف بثمن بخس

تمخض الجبل فولد فأرا, مثل معروف ينطبق من جميع الجهات والأوجه على قرار الفيفا, التي حملت ستة أشهر كاملة بالعقوبة, لتلدها بعد طول انتظار لقيطة من أب مجهول لأننا نجهل لحد الساعة هذه اليد الطويلة والنافذة التي صاغت شكل الجنين, وكنا نتوقع بعد جولات التحقيق الكثيرة التي عقدتها الفيفا بينها وبين ممثلي الاتحاديتين الجزائرية والمصرية, أن تكون العقوبة صارمة لأن الحافلة التي تعرضت للاعتداء كان بها وفد رسمي جزائري: وزير في الحكومة الجزائرية, ورئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم وفريق وطني وصحفيان أجنبيان كانوا ضيوفا على الجزائر ومصر في وقت واحد.
العقوبة تدعو فعلا الى الضحك والسخرية فهل يعد حرمانا أن تمنع الفريق الوطني المصري من اللعب على ملعب القاهرة؟ وما معنى أن يلعب الفريق المصري 100 كلم خارج القاهرة بما أنه سيجري مبارياته داخل مصر؟ وكأنها اتحادية محلية تعاقب ناديا لكرة القدم بحرمانه اللعب على ميدانه, وكيف صاغت الاتحادية الدولية قيمة الغرامة البسيطة؟ وهي قيمة عادة ما تسلط على مخالفات الأشخاص والمؤسسات والنوادي المحلية. وما معنى أن يتوقع إعلاميون مصريون العقوبة دون زيادة أو نقصان قبل صدورها؟ وكأنها كانت مطلبا مصريا لبته الاتحادية الدولية بكل فرح وسرور.
لقد فتحت الفيفا باب التساؤلات واسعا أمام الرأي العام العالمي, حول المدة التي انتظرتها من أجل إصدار عقوبة بسيطة, وتساؤلات حول العقوبة في حد ذاتها, التي تعتبر بحق هدية ومجاملة للمصريين والدليل فرحة وارتياح الطرف المصري بالقرار, وقراره بعدم الطعن فيه. واني لمتأكد لو أن الفريق الإسرائيلي أو أي فريق أوروبي تعرض لنفس الاعتداء لما ذاقت بعدها مصر طعم تصفيات كأس العالم لمرة أو مرتين, ولكانت الغرامة المالية مدوخة ولشهدنا استقالات بالجملة في الطرف المصري. بعد جولات التحقيق كنت أعتقد أن العقوبة ستكون مدروسة وصارمة, ولكني تيقنت أنها ستكون خفيفة بعد تدخل رئيس الفيفا برفع العقوبة على منتخب الطوغو الذي سلطت عليه عقوبة قاسية من طرف الاتحادية الإفريقية, بحرمانه اللعب في الدورتين القادمتين من كأس إفريقيا للأمم, وكم كانت تلك العقوبة سريعة وساخنة, باعتبار أن العقوبة نطق بها ودماء من ماتوا من الفريق لم تبرد بعد, بل وأقول وأنا في أوج منحنيات التأكد أن العقوبة كانت ستكون بنفس سرعة وعقوبة الطوغو لو أن حافلة المنتخب المصري تعرضت لاعتداء في الجزائر وبنفس الطريقة التي أعتدي بها على حافلة الخضر ولكانت العقوبات أشد من معنى كلمة قاسية, ولكانت الغرامة المالية غالية, الفيفا توحمت مدة ستة أشهر كاملة بتدخلها من أجل إلغاء عقوبة الطوغو وتخفيف عقوبة مصر, وإرضاء الطرف الجزائري من خلال تأكيد حادثة الاعتداء واعتبار الملف المصري حول أحداث أم درمان غير مؤسس.
لقد داست الاتحادية الدولية بذلك على أخلاقيات كرة القدم ولن نستحي من تشبيه موقف الفيفا بتلك الفضائح الجنسية التي تتحدث عنها الجرائد والفضائيات ومواقع الإنترنت كل يوم. أنا فعلا أريد أن أهول من الأمر لأن بلاتير فتح باب العنف على المنتخبات على مصراعيه, فان كنت تريد أن تحطم حافلة منتخب ما, ما عليك إلا أن تجهز قيمة الغرامة والملعب الذي ستلعب فيه 100 كلم عن عاصمة بلدك, قرار يرهن بحق مصداقية الفيفا ويضرب مبادئ الروح الرياضية في الصميم وستجد نفسها في حرج إذا ما تكرر سيناريو حافلة الخضر في بلد آخر وستكون مجبرة على التعامل بالمثل وسيصبح العنف يشترى بثمن بخس وبدراهم معدودة وسيكون بلاتير صاحب الدكان إذا ما أعيد انتخابه.
لنا في هذه الحادثة ناقة وعدة جمال, لأن الاعتداء تم إثباته وهو انتصار للاتحادية الجزائرية التي أثبتت الحادثة بالأدلة القاطعة, وهو خزي وعار للطرف المصري الذي ثبت رسميا كذبه في القضية, ونستطيع أن نقول الآن رسميا وعلنا مؤكدين ما قلناه قبل النطق بالعقوبة وأمام الملأ زاهر الكذاب, والاتحادية المصرية الكاذبة, وكل من ساهم في ترويج للكذبة, خالد الغندور الكذاب, وإبراهيم حجازي الكذاب, ومدحت شلبي الكذاب, مصطفى عبدو الكذاب, شوبير الكذاب, وكل من حاول إضفاء المصداقية على الكذبة, البوليس المصري الكذاب, والداخلية المصرية الكاذبة, وكلهم أساءوا لمصر وأساؤوا للشعب المصري, وعليه ننتظر اعتذارا رسميا من كل هؤلاء الكاذبين لأن الاعتذار من شأنه أن يمحو هذه الصورة من الأذهان, ومن شأنه أن يعيد العلاقات بين مصر والجزائر الى الأفضل, ولو أني لم اصدق نفسي كثيرا وأنا أكتب كلمة “الى الأفضل” فهي مؤجلة الى أجل مسمى يوم يلعب الفريق الجزائري مباراة رسمية أخرى فاصلة مؤهلة لكأس العالم يوما ما بمصر وعندها سنرى.