أين يكمن الخلل في الإنسان أم في الإمكانيات؟


الأمور بدأت من مقابلة صربيا الجزائر الودية التي أجريت في الثالث من مارس ألفين وعشرة, وكانت النتيجة قد انتهت بثلاثة لصفر لصالح الصربيين, النتيجة المسجلة أسالت الكثير من الحبر والانتقادات الموجهة للاتحادية الجزائرية والطاقم الفني حيث أصبح أصحاب فكرة تدعيم الفريق الوطني بعناصر جديدة محترفة في موقع قوة, وزاد ضغط الجماهير الجزائرية قوة لهذا المطلب, ولم يجد الطاقم الفني بقيادة رابح سعدان حلا غير الرضوخ للفكرة والتضحية ببعض اللاعبين المحليين سمير زاوي, رحو سليمان, ورضا بابوش, لينطلق سعدان ومساعدوه في رحلة سريعة في الملاعب الأوروبية من أجل معاينة عناصر محترفة من شأنها أن تضيف وتعوض النقص الموجود في الفريق الوطني .مقابلة صربيا أبانت عن الكثير من الحقائق, أبانت أولا عن طبيعة مستوى الفريق الوطني الذي صال وجال في الملاعب الإفريقية مقتطعا تأشيرة العبور الى كأس العالم بجدارة واستحقاق, ولكن المستوى على ما يبدو توقف عند عتبة إفريقيا, وبدا لنا جميعا بما في ذلك سعدان أن العبور الى المستوى العالمي يتطلب الخضوع الى مجموعة من المقاييس, من بينها اللاعب المحترف المتعود على المقابلات الدولية, وأيضا الى إدارة محترفة في طريقة تحضيرها للمواعيد الكبرى, وأبانت ثانيا عن النقائص الموجودة في البطولة المحلية وكيف أصبحت عاجزة على مواكبة التطور الذي تشهده كرة القدم, وأصبحت عاجزة عن تقديم لاعبين للفريق الوطني, والمثل يقول فاقد الشيء لا يعطيه, فاللاعب المحلي الذي يلعب جل مبارياته على عشب اصطناعي ويتدرب بطريقة غير احترافية نظرا لنقص الإمكانيات, وأيضا اللاعب الذي يلعب بطولة مفخخة بالرشاوى وشراء الحكام واللاعبين, واللاعب الذي يقضي الموسم كله وهو يحتج وينوح ويضرب حتى يتحصل على مستحقاته المالية لا يمكنه أن يقارع الكبار في اللعبة الذين تجاوزوا خط الأفق بالصرامة في العمل والاستقرار في جميع المجالات والاجتهاد المتواصل من أجل معانقة التفوق وتشريف الأوطان. والغريب هذه المفارقة الثابتة لدى الشارع الجزائري من كل ما هو محلي وما هو أجنبي, ليس في مجال الرياضة فقط بل حتى في مجال التجارة فالصنع المحلي دائما رديء بالنسبة للمستهلك إذا ما قارناه بالأجنبي والإتقان هو سر الاختلاف سواء في المضمون أو في الشكل, والمؤسسات الأجنبية التي تشرف على مشاريع ضخمة داخل الوطن تؤدي دورها باحترافية مقارنة بالمؤسسات الجزائرية التي لم تستطع تجاوز بعض الأعراف الرديئة كالرشوة والغش في الانجاز, والمثل ينطبق على جميع المجالات كالصحة, والتعليم وسوق العمل.
الفريق الوطني لكرة القدم شق طريق الامتياز في بيئة تغلب عليها الرداءة, بفضل لاعبينا المحترفين في الخارج الذين تعلموا وهم صغار مبادئ الاحتراف في نواديهم, وحتى لاعبينا المحليين الذين احترفوا في أندية أوروبية تغيرت عقليتهم داخل الملعب وأصبحوا أكثر صرامة في تطبيق الخطط وتعليمات المدرب وفرض خيار المحترفين على الاتحادية الجزائرية لكرة القدم ضرورة التخلي على الطرق التقليدية في تسيير المنتخب الوطني واتباع منهج الاحتراف في طريقة تحضير النخبة وتوفير أجواء تشجيع المحترف على التركيز, الأمر الذي كلل بالنجاح من خلال التأهل الى كأس العالم, والوصول الى المربع الذهبي في دورة أنغولا لأمم إفريقيا. لا مفر من القول أن منافسة الكبار في كأس العالم تمر حتما عبر الاختيار الأمثل للعناصر المحترفة, وتحضيرها نفسيا وبدنيا وجماعيا للمنافسات الدولية, ولا مفر من القول أن لهذا الخيار سلبيات أيضا, فاللاعبون المحترفون المتواجدون مع النخبة حاليا ليس لهم خلف وسنكون مطالبين حينها بانتظار ما ستجود به الأندية الأوربية بعصافير جديدة من شأنها أن تعوض النقص بعد أن تعتزل عناصرنا اللامعة الملاعب, وهذا شيء يدعو للضحك حقا, حتى معاينة هؤلاء اللاعبين يبدو أنه أثار في الاتحادية الفرنسية وبعض تقنييها بعض المشاعر الاستعمارية القديمة فهي لا زالت ترى في الجزائري أنه فرنسي, ولا زالت تعتقد أنها تمتلك الإنسان الجزائري الذي تكون في مدارسها ونواديها, زيدان الجزائري وبن زيمة وناصري الجزائريان اختاروا عن طواعية اللعب للفريق الفرنسي في وقت كانت اتحاديتنا غارقة في سبات الترقيع والروتين.
التفكير مليا في الاحتراف وتكوين لاعبي جدد, ومتابعة لاعبينا المحترفين في الخارج في مختلف الفئات من شأنه أن يعود بالفائدة على الفريق الوطني, ولن يتأتى ذلك بالعمل المناسباتي والظرفي بل لا بد من برنامج عمل طويل المدى يهتم بالتكوين وإنشاء الهياكل من ملاعب ومراكز للتكوين وتحضير النخبة الوطنية والحكام, ويبقى الاستثمار في الإنسان هو سر نجاح الحضارات والأمم
.