ومكتسبات لا تزول بزوال الرجال

انتهى مشوار المنتخب الوطني مبكرا في مونديال العم مانديلا, والكل لم يصبر على قول رأيه في مشوار الخضر ولعل المتتبع لردود الأفعال يلمس أن الغالبية مالت الى انتقاد المدرب رابح سعدان في خياراته المتعلقة باللاعبين وخطة اللعب وتحميله المسؤولية كاملة في إخفاق المنتخب وخروجه من الدور الأول بنقطة واحدة ومن دون أن يسجل في مرمى الخصوم هدفا واحدا, ومالت فئة الى المطالبة بضرورة تغيير المدرب وجلب مدرب أجنبي كبير لقيادة الخضرا فيما تبقى من منافسات, وهنا نطرح السؤال هل فعلا تكمن المشكلة في المدرب؟ وهل نجاح الفرق التي لعبت في المربع الذهبي كانت بفضل المدرب ومجهوداته فقط؟ هل نجحت اسبانيا وهولندا في تنشيط النهائي بمخ مدربيها وحسب؟ وهل دلبوسكي مدرب الاسبان هو المهندس الوحيد للتتويج بكاس العالم؟ طبعا سيجيب كل من له اطلاع على قِدر كرة القدم بكلمة لا بالطبع, فكل الفرق التي تأهلت الى الربع النهائي هي فرق لها تقاليدها الخاصة في عالم الكرة, وإلا لاكتفت البلدان بشراء أفضل المدربين من أجل حصد الكؤوس, وحتى دلبوسكي ما مكان ليحصل على كاس العالم لو كان مدربا للكامرون أو الجزائر أو أي بلد آخر لا زال في طور النمو, ولن تنتهي من الكلام إن أنت تطرقت الى البطولة المحلية لكل دولة, والى العمل الرائع والجبار الذي يبذل على مستوى الفئات الشبانية, وعلى مستوى التكوين الذي يخرج في كل مرة دفعات من اللاعبين المميزين والموهوبين, وكأفارقة علينا أن نستخلص الدروس على الأقل من جيراننا ونضرب المثال بغانا التي ترك شبانها بصمات ذهبية في المحافل الدولية وآخرها إحراز فئة الشباب على كأس العالم التي نظمت في مصر ووصولها الى الدور الربع في دورة جنوب إفريقيا لكأس العالم بل وكانت تستحق أن تنشط الدور النصف نهائي لولا الكبوة التي تصيب كل جواد, كل ذلك يبين لنا الفرق الشاسع بين العمل المنجز في غانا والعمل المنجز في الجزائر على مستوى الفئات الشبانية, لا ننكر أن هناك عمل في بلادنا لكنه للأسف مناسباتي وما يفتأ أن يأفل بعد كل نتيجة سلبية, بل ويأفل أيضا بعد كل نتيجة ايجابية حيث نعتقد أننا وصلنا ثم ما نلبث أن نسقط تماما كما حدث لنا بعد مونديال 82 وبعد كاس إفريقيا 1990. وهل لنا أيضا أن نقارن الدوري الألماني والدوري الاسباني بالدوري الجزائري, أو نقارن العمل المنجز على مستوى الفئات الشبانية لهذين البلدين بالعمل المنجز عندنا. المفارقة العجيبة أننا أحيانا نحقق الفوز على فرق عريقة في كرة القدم بالضعف الذي نعانيه على جميع المستويات, فما بالك لو نعمل بنفس مستوى هذه الفرق أو أحسن. بعد كل هذا الحديث أريد أن أقول أن بقاء مدرب ما أو رحيله ليس هو نواة المشكل فالكل يطبل قبل أن يبدأ المدرب مهامه والكل يشحذ السكاكين بعد كل تعثر سواء كان المدرب محليا أو أجنبيا.

هناك مثال آخر حي وجميل أضربه بفرنسا التي سجلت أسوأ مشاركة لها في كأس العالم بجنوب إفريقيا وصنعت الحدث بتداول وكالات الأنباء والفضائيات لأسوأ الأخبار عن فريقها الأول, بل وكان الفريق لاعبين ومسيرين محط سخرية من قبل الجميع, ولكن لما كانت هناك تقاليد عمل خاصة في الفئات الشبانية اكتشفنا فريق فرنسي شاب لأقل من 19 سنة وهو يفوز بكأس أوروبا للأمم, الشباب الذي حقق هذا الفوز هم مستقبل الكرة في هذا البلد, تحس بأن الدماء تتجدد وأن هناك عمل من أجل إعداد الخلف, فان لم يتمكن جيل من تحقيق المبتغى يتواصل العمل من خلال تثمين كل ما هو ايجابي ولا تتوقف المسيرة لمجرد تعثر ولا تزول المكتسبات بزوال الرجال, هناك تجربة جميلة أيضا في بلدان الخليج تستحق أيضا الإشادة خاصة في المملكة العربية السعودية فالقائمون على اللعبة هناك يعملون بطريقة تدعو فعلا للاهتمام فعندما ترى في هذا البلد العربي بطولة لكل الفئات الشبانية وتربصات للمنتخبات الوطنية في كل الأصناف أيضا تحس بالاستثناء مقارنة بما هو موجود خاصة في كثير من البلدان العربية, أيضا الأندية السعودية تعمل على جلب ألمع اللاعبين من أجل أن تحتك العناصر المحلية بلاعبين ذوو تجربة وخبرة, البطولة هناك محترفة والإمكانيات المتوفرة بنفس قدر إمكانيات الفرق الأوروبية الكبيرة, الكرة السعودية قادمة ولن يطول بنا المقام ونرى كلمتها تعلو في المحافل الدولية إن على مستوى الأندية أو الفرق الوطنية.

إذن لا بد من إرساء أسس لتقاليد كروية وتحقيق ما لا يزول بزوال الرجال, وقد يقول قائل أي طريق نسلك لإرساء هاته التقاليد الكروية؟ والحل سهل على الورق, أن نسلك الطريق التي سلكتها الدول العريقة في كرة القدم في جميع المجالات, وفي الميدان على الذين يبذلون الجهد والوقت في انتقاد المدربين ومحاولة فرض الأسماء وإقصاء أخرى أن يفرغوا شحناتهم في العمل من أجل اللحاق بركب الدول المتفوقة, نحن بحاجة الى تسطير الأهداف بوضوح وتطبيق خطة عمل يشارك في صياغتها وفي تطبيقها الجميع, ولا بد لنا من إتقان فن التقييم وفن تصحيح الخطأ في الوقت المناسب, فعندما تسير عندنا الرياضة كمنظومة واضحة المعالم والأهداف سنكون قاب قوس أو أدنى من أن نكون من بين الأفضل في هذا العالم.