الإبداع يصنع لقطر اسما في تاريخ البشر

يبدو أن خماسية غوارديولا سفير ملف قطر في سباق الترشح لاحتضان كاس العالم 2022 في مرمى مورينيو قد حملت بشرى التفوق للملف القطري قبل التصويت النهائي بزيوريخ, كما حملت إصابة أوباما في مباراة لكرة السلة بشرى فشل ملف الولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من وجود اسم ثقيل وهو الرئيس الأسبق بيل كلينتون الذي حاول قيادة الملف الأمريكي الى عتبة تمثال الحرية. فشلت أمريكا بأرمدتها الدبلوماسية ونفوذها القوي في كل مفاصل العالم, وبإمكانياتها المادية وقدراتها الضخمة, وتجربتها الكبيرة الكفيلة بإنجاح تظاهرة عالمية كبطولة كأس العالم لكرة القدم, وربما يكون تنظيم الأمريكان لدورة سابقة قد قلل من حظوظها في الفوز بتنظيم دورة 2022 في وقت كان توجه الفيفا يدعم منح تنظيم الدورات المقبلة لدول جديدة.

فازت قطر الدولة الصغيرة بمساحتها الكبيرة برجالها على أربع ملفات ثقيلة لكل من اليابان واستراليا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية, وتألق ملف قطر في الجولات الأربع للتصويت, ففي الجولة الأولى حصلت على 11 صوتا مقابل ثلاثة لكل من الولايات المتحدة واليابان، وأربعة لكوريا الجنوبية، وصوت واحد لأستراليا التي خرجت من السباق, في الجولة الثانية حصلت على عشرة أصوات مقابل خمسة للولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية, الجولة الثالثة شهدت خروج كوريا الجنوبية بنفس عدد الأصوات السابق, مقابل 11 صوتا للملف القطري وستة للملف الأمريكي, وتحقق الحلم في الجولة الأخيرة بحصد قطر لـ 14 نقطة كاملة مقابل 8 لأمريكا وما يثير الإعجاب والافتخار هو التفوق القطري في كل الجولات, هناك من قال بأن وجود دول احتضنت سابقا كاس العالم كاليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة زاد من حظوظ قطر, قد يكون هذا التوجه صحيحا وهو من قناعات الفيفا لكني متيقن لو كانت هناك دولة عربية أخرى غير قطر في هذه الانتخابات لما تمكنت من الظفر بكل تلك النقاط, ولخرجت سريعا من السباق, قطر فازت بدورة 2022 لتميز ملفها الذي أبهر لجنة الفيفا وكل من اطلع عليه, ولم يكن ليتميز لو لم تكن به لمسة من لمسات الإبداع, تصاميم الملاعب الـ 12 الجديدة التي ستحتضن كاس العالم كلها رائعة كملعب المدينة الرياضية بتصميم الخيمة العربية, وملعب ميناء الدوحة الذي سيتخذ شكل زنبقة الماء العائمة والذي ستتمكن الجماهير من الوصول إليه عن طريق الطاكسي المائي, وملعب الشمال الذي سيصمم على شكل قارب صيد, ملعب الخور من بين الملاعب الجميلة والمتميزة حيث سيصمم على شكل صدفة بحرية, وكذلك ملعب أم صلال الذي سيكون تصميمه مستوحى من القلاع العربية التقليدية القديمة, وملعب الوكرة الذي سيصمم داخل واحة بها مسبح وحدائق وأماكن ترفيهية, ملاعب أخرى جميلة ستحتضن هذا الحدث العالمي كملعب المدينة التعليمية, ملعب جامعة قطر, ملعب الريان, ملعب الغرافة, وملعب خليفة الذي سيتم توسيع طاقة استيعابه الى 70000 متفرج, ويعتبر ملعب لوسيل الذي تصل سعة استيعابه الى 86000 متفرج من أهم الملاعب التي تصدرت الملف, وهو الملعب الذي احتضن مباراة الأرجنتين والبرازيل وستقام فيه كذلك المباراة النهائية لكاس العالم 2022, كل الملاعب ستكون قريبة وسهلة بفضل شبكة المواصلات المتطورة وسيكون بإمكان الجماهير والصحفيين مشاهدة أكثر من مباراة في اليوم. ما ميز الملف القطري هو تكييف الهواء داخل الملاعب, هذه اللمسة الإبداعية الجميلة كسرت مخاوف الفيفا من درجة الحرارة المرتفعة التي تميز المنطقة في فصل الصيف بين شهري جوان وجويلية. القطريون تميزوا في جانب العلاقات أيضا حيث استعانوا بسفراء من الوزن الثقيل لملفهم مثل زين الدين زيدان, ومدرب برشلونة جوارديولا والنجم الكاميروني روجي ميلا, كما لعب القطري بن همام رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم دورا هاما وفاعلا في إنجاح الملف من خلال علاقاته الطيبة مع الاتحادات الأسيوية والإفريقية وحتى الأوروبية, دون أن ننسى نجاحات قطر من قبل خاصة في تنظيم كاس العالم للشباب عام 1995 الذي شهد عددا قياسيا من الجماهير, وكذا الألعاب الآسيوية الخامسة عشر ” أسياد الدوحة 2006″, وفي جعبة قطر مناسبات أخرى ستتشرف بتنظيمها كاس آسيا الشهر المقبل والألعاب العربية الثانية عشر شهر نوفمبر2011, وسيكون أمام قطر المزيد من الوقت من أجل إثراء تحضيراتها للموعد العالمي وتنظيم تظاهرات كبرى من أجل اكتساب المزيد من الخبرة.

فوز قطر خلف الكثير من ردود الأفعال بين مهنئ ومعارض, من أهمها تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي اعتبر منح قطر شرف تنظيم المونديال قرارا خاطئا, تصريح يحمل الكثير من الكراهية للعرب والمسلمين, ويحمل الكثير من الأنانية فأمريكا تريد أن تكون دائما في الواجهة وكان من اللياقة والدبلوماسية أن يهنئ أوباما رئيس أكبر بلد يدعي الحرية والديمقراطية قطر على فوزها فقد تكون أمريكا متأهلة الى نهائيات 2022, وسينظر لها الجميع بعين الاحتقار إن هي واصلت النظر للآخرين بالعين الناقصة, وكان حريا بأوباما أن يفكر مليا فيما يقوله الأمريكيون عنه قبل أن يتكلم فكثير من الأمريكيين يعتبرون انتخابه قرارا خاطئا. كثيرون راحوا ينسجون الفرضيات عندما تساءلوا ماذا لو تأهلت إسرائيل الى نهائيات 2022؟؟ باعتبار قطر دولة غير مطبعة ومدعمة للسلطة الفلسطينية والمقاومة, وكثير ممن سخر من قطر باعتبارها دولة تحرم الخمر والمثلية الجنسية, نقول لهؤلاء فرضيات أخرى فقط تنظم هذه الدورة في عالم لا يحوي على شيء اسمه إسرائيل, وقد تقتنع الكثير من الجماهير بخطر تناول الكحول وخطر المثلية الجنسية على المجتمعات, وقد تنظم هذه الدورة في جو أخلاقي استثنائي أيضا إن شاء الله.

مبروك لقطر ولكل العرب والمسلمين بهذا الانجاز, باليد المملوءة بالورد والعطر لكل من ساهم في هذا الانجاز, وبالتراب في وجه أوباما وإسرائيل وكل من قلل من قيمة الاستحقاق, ولكننا لا نريد أن يتوقف طموحنا عند حدود التنظيم فقط, فأمام قطر و الدول العربية والإسلامية مدة 12 سنة كاملة من أجل التحضير للموعد ولما لا تكون الكأس من نصيب العالم العربي والإسلامي, تنظيم هذه الكأس هي فرصة لأن تحتك حضارتنا العربية والإسلامية بمختلف الحضارات في العالم, وكم سنفرح لو عاد عدد كبير من الجماهير الى ديارهم مقتنعين بسماحة الإسلام وأخلاق الإنسان المسلم, وكل العالم العربي والإسلامي معني بإنجاح هذه التظاهرة, والله الموفق.